حتى لو عرفوا ما دائي!

TT

قال الشاعر القديم:

يا ويح قومي أبلى بين أعينهم

على الفراش ولا يدرون ما دائي!

وقال أمير الشعراء شوقي:

يا ويح قومي أبلى بين أعينهم

ويدرج الموت فى جسمي وأعضائي

وينظرون لجسم لا حراك به

على الفراش ولا يدرون ما دائي!

لست أنا وحدي. وإنما كل الناس. فالألم شخصي. كما أن الموت شخصي. فأنا إن مت كان موتى أنا ونهايتي أنا. فلا أحد يموت بديلا عن أحد... والموت عام وخاص ـ عام لأن الناس جميعا سوف يموتون. وخاص لأن كل واحد يموت لنفسه.

وهي تجربة أليمة مريرة عايشتها. عانيتها في أعماق الظلام في الجو المعقم الكريه في المستشفيات. تمددت على سرير كأنه زورق مربوط إلى الشاطئ وأنا مربوط في الزورق. هو يهتز ولا ينتقل وأنا أيضا.

وفي الليل لا فرق بين سرير في مستشفى ثلاث نجوم وسبع نجوم في باريس أو في دارفور. والدنيا بعيدة. كل شيء بعيد المنال... بعيد عن العين عن الأُذن عن القلب. أنا وحدي مع الألم وحده. انفرد بي وانفردت به. ولا معنى لأن أقول آه.. ولا معنى لأن أذرف دمعة في الليل. فلن يراني ولن يسمعني أحد.. وإذا رآني فهو الطبيب وإذا سمعني فهي الممرضة. وأنا مثل ألوف من المرضى في كل مكان وكل وقت. فالأطباء اعتادوا على الوجوه الشاحبة والأصوات المخنوقة والدموع الحبيسة. ويستوي في آذانهم أن تقول: آه يا ليل يا عين وأن تقول آه يا بطني يا دماغي يا وحدتي يا عذابي يا نهايتي.. يا سخافة هذه الحياة وانعدام المعنى والحكمة من أي شيء وفي أي شيء!

فأنا وأنت وهو مثل أي شيء آخر. إلى النهاية. إلى عدم. والذي خفنا منه. والذي سعدنا به والذي تمنيناه والذي أقدمنا عليه.. كل ذلك ولا حاجة....

يقول شاعرنا شوقي:

إذا ما نفقت ومات الحمار

أبينك فرق وبين الحمار!