وداعا للسلاح

TT

ألقى قبل بضعة أيام، هوغو شافيز، الرئيس الفنزويلي الثوري واليساري، خطابا دعا فيه سائر الثوار الماركسيين في أمريكا اللاتينية، وعلى الخصوص في كولومبيا، إلى إلقاء السلاح وإطلاق سراح جميع من في أيديهم من الرهائن، والاستسلام لحكوماتهم طوعا وسلميا.

هذا تحول عجيب. فأمريكا اللاتينية معروفة كمنطقة تضج بالثورات والانقلابات والحروب الأهلية وحرب العصابات التي يشنها بصورة خاصة الثوار الماركسيون والماويون. وكان شافيز حتى الأيام الأخيرة من أول أنصارهم والمشجعين لمبادئهم وأسلوبهم في النضال المسلح. برر دعوته الأخيرة بقوله إن النضال المسلح يساعد «الامبراطورية» (ويقصد شافيز بالإمبراطورية الإمبريالية الأمريكية) في إعطائها المبررات لتنفيذ مخططاتها.

هذه نقلة مهمة في استراتيجية النضال من أجل التحرر والعدالة والإصلاحات كافة. فالمؤسف أن معظم النشطاء في هذا الميدان، كما نجد بصورة خاصة في عالمنا العربي، يؤمنون بالكفاح المسلح، وفيهم طبعا من يؤمنون بالإرهاب ويبررون العمليات الانتحارية. بيد أن النتائج السلبية التي انتهى إليها معظم هذا العمل أخذت تحرك بعض هؤلاء الرواد والقادة إلى إعادة التفكير وتصحيح المسار. كل الأحزاب الشيوعية والمنظمات الماركسية تقريبا ترفض الآن الأخذ بنظرية الثورة الحمراء وتؤمن بالتطور العضوي التدريجي في إطار الديمقراطية والانتخابات البرلمانية.

هناك الآن الكثيرون في ساحة النضال الفلسطيني ممن يدعون لإعادة النظر في أسلوب العمل واستلهام أفكار غاندي والكفاح اللاعنفي، أو ما سميته بالجهاد المدني. حتى مقتدى الصدر في العراق فتح صفحة من صفحات الغاندية بالدعوة إلى العصيان المدني. أخذت كلمة «العصيان المدني» تحل في الواقع مؤخرا محل الكفاح المسلح في مفردات العمل الوطني وبرامج المنظمات السياسية المعارضة.

هل دقت الأجراس الآن لتشييع جنازة السلاح والنضال المسلح؟ هذا موضوع ينبغي أن يعطيه العاملون في هذه الميادين حق اهتمامهم. وهذا يعني أن عليهم ليس فقط إعادة النظر في أسلوبهم الدموي، بل والتفكير بالبدائل السلمية اللاعنفية لتحقيق الأهداف المطلوبة حسب ظروف كل ساحة وكل بلد، ولكن جميعا بعيدا عن السلاح والدمار وسفك الدماء البريئة. لم يعد العمل المسلح ينسجم مع عالمنا الحاضر ومدنية العصر واحترام حقوق الإنسان وأرواح الأبرياء. فضلا عن ذلك، كثيرا ما أدى إلى نتائج معكوسة تخدم الخصم وتوسع دائرة الظلم وتعقد المسألة الوطنية وتشوه المسار نحو المستقبل المرجو. هذا ما لمسه، على ما يظهر، الرئيس شافيز وعبر عنه في مناشدة زملائه الثوار إلقاء سلاحهم وتسليمه للسلطة القائمة.

أيام السلاح أصبحت معدودة والأمل المعقود على ذلك هو أن تتحول الحكومات أيضا إلى هذا المسار فتصبح البنادق والقنابل، كما تأمل الروائي الفرنسي فكتور هيوغو في القرن التاسع عشر، أنتيكات يتفرج عليها الناس في المتاحف.