فنان على كرسي الأستاذية

TT

يعتبر الفنان غازي علي من أهم الفنانين السعوديين، ومن أكثرهم ثقافة، ومن أوسعهم علما بالموسيقى.. استطاع قبل أن يدرس الموسيقى، ويحصل على بكالوريوس التأليف الموسيقي من معهد الكونسرفتوار في القاهرة، أن يضع يده على مفاتيح التراث لينتج في وقت مبكر جدا مجموعة من الروائع الخالدة: «في ربوع المدينة»، و«شربة من زمزم»، و«يا العشرة».. ويرى البعض أن أعمال غازي علي الفنية يمكن توزيعها على مرحلتين؛ مرحلة ما قبل الدراسة، ومرحلة ما بعدها.. وأنا من الفريق الذي يميل إلى اعتبار مرحلة العفوية الإبداعية التي سبقت الدراسة أكثر تشكيلا لصورة غازي علي من المرحلة التي تلتها، فجل ما نتذكره من أعمال غازي علي ينتمي لتلك المرحلة التي نهل خلالها من التراث روائعه الخالدة، أما مرحلة ما بعد الدراسة الأكاديمية للموسيقى وانشغالاته بدراسة «اليوجا» فقد طغت فيها النزعة العقلية الأكاديمية والتحليلية على العفوية والتلقائية، وأصبح بإمكان غازي علي أن يكون منظرا وموجها ومعلما للموسيقى أكثر من مبدع لها، وتلك الحالة عاشها عدد من المبدعين في مختلف المجالات وبصورة خاصة في الفن والأدب، فطغيان النزعة العقلية لدى أديب إيطاليا الكبير بيراندللو سلبت من دواخله عفوية الشعر وأجبرته على التحول إلى النثر، الذي يتسع للتحليل والتنظير، ومثله أديب العربية الكبير عباس محمود العقاد، فشعره في تقدير الكثيرين لا يرتقي إلى مستوى أعماله النثرية لغلبة النزعة العقلية لديه وهيمنتها على عفوية العاطفة..

وهذه الرؤية لا تقلل بحال من الأحوال من أهمية غازي علي في حياتنا الفنية، بل يمكن أن تضعه متفردا على كرسي الأستاذية الموسيقية موجها ومنظرا ومعلما، وقائدا، وهذه الأدوار ليس ثمة من هو أجدر منه للقيام بها في ساحتنا الفنية الخليجية التي تفتقر إلى مثل هذه الزعامة الموسيقية. ولو كانت لدينا كليات ومعاهد موسيقية لكان غازي على الأكثر استحقاقا لقيادتها ورسم ملامحها المنهجية.. ويدهشني أن لا تستفيد جمعية الثقافة والفنون من هذا الخبير والمرجع والعلم في فن الموسيقى، وكان أجدر بها أن تغرسه في دروب شباب الفن راية وفنارا ومعلما وملهما، فغازي علي يفترض أن يلعب اليوم دورا أكثر اتساعا في حياتنا الفنية من تلك الدروس الخصوصية المحدودة التي ينشغل بها بعد الدخول في مرحلة الصمت.

وسجل غازي علي الفني سجل نوعي، فلقد قدم بصوته أعمالا شكلت علامات بارزة في مسيرتنا الغنائية مثل: «روابي قبا» و«سلمى» و«شربة من زمزم» و«في ربوع المدينة» و«محلا اسمك يا رياض» و«يا العشرة» وغيرها من الروائع، وغنى له طلال مداح: «سلام لله يا هاجرنا» و«أسمر حليوه».. وباختصار: إن أفضل ما يمكن أن يوصف به غازي علي بأنه فنان يسبق ذائقتنا الفنية، وقد نحتاج إلى زمن طويل من الثقافة الموسيقية لنتعامل مع أعماله ورؤاه بما تستحقه من احتفاء وتقدير.

[email protected]