بقيت الكرامة

TT

منذ أيلول 2003 تخوض إيران وأوروبا، ثم إيران ومجلس الأمن، بما فيه روسيا والصين، مواجهة سياسية حادة حول برنامجها النووي. وقد تدخلت وكالة الطاقة النووية في القضية بشخص رجل متواضع وبالغ الهدوء، هو محمد البرادعي. ويتعرض البرادعي تارة لغضب إيراني وتارة لنقد أميركي ـ إسرائيلي ودائما لضغط أوروبا، القارة التي تعتبر نفسها على مرمى حجر من أي انفجار نووي في منطقة تخزن فيها إسرائيل نحو 150 رأسا نووية وتسرح في مياهها الغواصات النووية الإسرائيلية والأميركية والروسية والأرجح الأوروبية أيضا.

ويشعر محمد البرادعي أنه الحارس الأعزل فوق بركان إذا تفجر قد لا يبقى في الأرض من يبقى ليكتب عنه، لأن أي حرب نووية لن تبقى محدودة ولن يحصرها شيء بل ستفتح السباق الأخير نحو الدمار الأخير. وبالإضافة إلى السلاح النووي الموجود والمحتمل، هناك خزانات أخرى من الأسلحة الكيماوية والجرثومية وسائر آثار هيروشيما أو تشرنوبيل. وقبل حرب بوش في العراق كنت كلما قمت بزيارة الشيخ خليفة بن سلمان رئيس وزراء البحرين، يشير إلى نافذة مكتبه ويقول: ربنا يستر مما ستحمله تلك الأسلحة إلى بيئة المنطقة. وكنت أعتقد في داخلي أنه يبالغ، إلى أن رأينا ماذا حملت تلك الأسلحة للأميركيين أنفسهم.

«تصالحت» إيران مع أوروبا منتصف التسعينات وأخرجها محمد خاتمي من عزلتها الدولية وعقد في طهران المصالحة الكبرى مع دول العالم الإسلامي في مناخ من الألفة والانفراج وتجاوز الصراعات الماضية. ثم انقلب الوضع الإيراني مرة أخرى مع هزيمة خاتمي. وشكل مفاعل بوشهر عنوان المواجهة الكبرى. وفي البداية قبلت طهران عروض أوروبا ووقعت اتفاقات تمتنع بموجبها عن التخصيب، لكنها عادت فرفعت وتيرة التشدد، فنقلت المسألة من أوروبا إلى مجلس الأمن. والزيارة الأخيرة التي قام بها السنيور سولانا إلى طهران يوم الجمعة الماضي، تذكر بشيء واحد هو عدد المبعوثين الذين زاروا بغداد لإقناع صدام حسين بالخروج من الكويت وبعدد الوساطات وعدد اللقاءات التي عقدت حول العالم.

لن تكون أي ضربة أميركية لإيران نزهة ممتعة في مياه الخليج ولا ما بين دجلة والفرات. وربما امتدت إلى أبعد من ذلك بكثير. وقد تدفع أميركا وأوروبا ثمنا باهظا جدا، لكن أي ثمن ستدفعه إيران والمنطقة. وهل هي في حاجة إلى مثل هذه المواجهة الآن؟ لقد خاض صدام حسين ثلاث حروب من أجل «كرامة العراق» وقد بقيت الكرامة ولم يبق العراق.