كابوس ماكليلان يطارد ماكين

TT

كانوا يعتقدون أنهم يتصرفون بذكاء شديد. عندما نُقلت حملة لجمع التبرعات لصالح جون ماكين، كان يدعمها الرئيس بوش من مركز فينيكس للمؤتمرات إلى أحد المنازل، كان أفضل شيء بعد ذلك هو إرسال بوش إلى برنامج حماية الشهود. وقد تم تصوير جون ماكين وبوش معا بكاميرا فيديو لمدة 26 ثانية. بدا هذا اللقاء الذي اختلسه الرجلان، والذي نشر على موقع «فوكس نيوز» الإلكتروني، كما لو تم تصويره من طائرة استطلاع.

وفي نفس الليلة، أورد موقع «بوليتيكو» على شبكة الإنترنت خبر مذكرات سكوت ماكليلان، وبعد هذا دار حديث طويل في وسائل الإعلام حول بوش أو بالأحرى الوضع في العراق وتناولت وسائل الإعلام الأسباب المختلقة للحرب في العراق، التي كانت المحور الأساسي لمذكرات ماكليلان.

لقد اتهم ماكليلان البيت الأبيض بالاعتماد على الدعاية للترويج للحرب، وأن ما يسمى بالإعلام الحر تواطأ في ذلك. ويبعث هذا الموقف في النفس هذا الشعور الغريب بأننا شهدنا هذا الموقف من قبل. فالادعاءات بأن ماكليلان «ساخط» وبوجهين وشخص سيئ يتصرف بطريقة غريبة تتطابق مع تلك الذي أدلى بها عملاء بوش (بمن فيهم ماكليلان نفسه) بشأن من تركوا الإدارة السابقة، مثل بول أونيل وريتشارد كلارك وجون ديلوليو ومتثيو دوود.

ما السبب في هذه الجلبة التي لا داعي لها؟ ماكليلان ليس هو الشخص الذي يرغب في الظهور على شاشات التلفاز. ولم يحظ كتابه باهتمام قبل نشره. وإذا كان الأمر هو كيف تمكن البيت الأبيض من الترويج للحرب، فهذه قصة قديمة. الجديد والمهم هو كيف يستمر هذا الوضع على مسمع ومرأى من الناس على مدى هذه السنين. ونحن لم نتحرك.

لا يحب الأميركيون أن يكذب عليهم رؤساؤهم، خاصة إذا كان هناك جرحى وقتلى والأكثر من هذا إذا لم تكن هناك محاسبة. نرى أن هذه جريمة ولن نرضى حتى يكون هناك حكم فيها.

هذا هو السبب وراء استمرار «الخطيئة الأصيلة» المرتبطة بالحرب كموضوع سياسي بارز، فحتى شخص ضعيف مثل ماكليلان يمكنه أن يشعل نقاشا حول هذا الموضوع. يقول الديمقراطيون إن تولي ماكين الرئاسة يعني ولاية ثالثة لبوش، ولكنها ستكون فترة ثالثة للحرب التي تعد مشكلته الأساسية.

ينفي ماكين وحزبه هذا، فهم يقولون إن «الانتخابات تتعلق بالمستقبل». وخلال مناقشة حول ما إذا كان علينا أن نقوم بالغزو أم لا أقيمت في «هاردبول» في إبريل (نيسان)، قال ماكين: «يجب أن نركز على الانتصار».

ولكن ما زالت الأغلبية الأميركية ترى أن الحرب خطأ (أكثر من 60 في المائة). وبعد كل الكلام حول النجاح الذي تسببت فيه زيادة عدد القوات الأميركية في العراق، انخفض عدد الأميركيين الذين يرون أن الولايات المتحدة تحقق تقدما في العراق بنسبة 9 بالمائة منذ فبراير (شباط) (حتى 37 في المائة) في آخر استطلاع أجراه مركز «بيو». وارتفع عدد من يفضلون القيام بانسحاب سريع بنسبة 7 نقاط مئوية (ليصل لـ56 في المائة).

كان من الملاحظ أن هناك اهتماما ضعيفا عندما كان الجنرال ديفيد بتريوس يقدم آخر تقرير عن التقدم في العراق أمام مجلس الشيوخ قبل عشرة أيام، لدرجة أن القليل لاحظ تصريحه بأن الانتخابات الإقليمية العراقية، التي يدور حولها الكثير من اللغط قد لا تعقد قبل نوفمبر (تشرين الثاني) (بعد الانتخابات في الولايات المتحدة). تناقض ذلك الاهتمام الضعيف الذي حظي به بتريوس للأخبار التي يدليها عن الوضع الحالي في العراق مع الاهتمام الواسع الذي كان من نصيب ماكليلان بسبب كلامه حول الأسباب التي بررت الحرب على العراق. ويمكنك أن تلاحظ علاقة ذلك بانتخابات هذا العام.

هناك علامات أخرى للتشوه السياسي الدائم المرتبط بالوضع في العراق. وفي إطار محاولاتهم للبحث عن أي نقطة مضيئة بعد خسارتهم في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في فصل الربيــع، يشير الجمهوريون إلى أن الديمقراطيين الذي فازوا في لويزيانا ومــيسيـسيبي محافظون اجتماعيون يعارضون الإجهاض ويؤيدون السلاح. ولكنهم لا يلاحظون أن الفائزين الثلاثة التابعين للحزب الديمقراطي، بمن فيهم اثنان من الجنوب، يعارضون الحرب. وأكثر من هذا، فقد أظهرت انتخابات جديدة في تكساس أن السيناتور الجمهوري الحالي جون كورنين، وهو ممن يؤيدون سياسات بوش، متقدم بمقدار 4 نقاط مئوية فقط على منافسه الديمقراطي ريك نوريجا، وهو من منتقدي الحرب، وكان قد خدم في أفغانستان.

وفي تحليلات لعدد من الجمهوريين البارزين عن المصاعب التي يعاني منها الحزب الجمهوري ـ سواء تلك التي كتبها زعيم نواب الحزب الجمهوري في البرلمان جون بوهنر (في وول ستريت جورنال) أو التي كتبها الخبير الاستراتيجي ألكس كاستلانوس (في نشونال رفيو) – كان غياب العراق واضحا للعيان.

هذا الأمر يتعدى الإنكار، إنه هوس جماعي. والأعراض واضحة جدا في النقد المسهب لكارل روف.

وروف بالنسبة لحملة ماكين مثل بيل كلينتون في حملة هيلاري كلينتون، موجود دائما ليقدم نصائح سياسية لا تصلح للوقت الحالي ويخطف الأضواء من المرشح الذي يزعم أنه يؤيده. ويعشق روف الظهور أمام الكاميرا. كيف سيكون الوضع إذا ما تم استدعاؤه للمثول أمام لجنة القضاء بالبرلمان؟ لا يكترث روف بتذكير الناخبين بفضائح الإدارة أو بارتباط ماكين بالحرب بالعراق، كما هو الحال مع بيل كلينتون الذي لا يعبأ بتذكير الناخبين بعلاقته ببعض المتبرعين المشبوهين.

لم تستطع هيلاري كلينتون تبرير تأييدها للحرب على العراق، وانتهت محاولتها المتكررة لتبرير هذه التأييد بالتشكيك في مصداقيتها بشأن عدد من القضايا الأخرى. وفي المقابل، فإن تاريخ ماكين في ما يتعلق بالعراق أسوأ من هيلاري، فهو لم يكتف بالتصويت تأييدا للحرب، ولكنه كان ممن دقوا طبول الحرب للدعاية التي يستشهد بها ماكليلان. وفي «هارد بول» و«ميت ذي برس» في مارس (آذار) 2003، قال ماكين إنه سيتم الترحيب بالأميركيين كـ«محررين» وأكد على أن هذه الحرب ستكون من أفضل الأشياء التي تحدث لصالح أميركا.

وللتغطية على هذه الآراء الضعيفة والتصرفات المشكوك فيها، يأمل ماكين أن يتواطأ الإعلام الحر مرة أخرى. سنرى! إنه يعتمد على الصحافة للتغطية على ماضيه وبالتأكيد على نقده الدائم لطريقة إدارة الحرب، كما لو كانت هذه الطريقة، وليس المبدأ الذي قامت عليه، هي الخطأ المأساوي.

ووسيلته الثانية هي محاولة بناء ستار من الدخان عن طريق وصف باراك أوباما بأنه غير وطني وأنه المرشح المفضل لحماس. والآن ينتقد ماكين أوباما لعدم زيارة العراق منذ 2006 – وهي استراتيجية مشكوك فيها. يمكن أن تفكر في هذا، على ضوء زيارة ماكين الدعائية لمنطقة آمنة في العراق، التي تعد من نقاط الضعف عنده. ومرة أخرى، وفي محاولته لتوضيح سبب وقوفه مع بوش ـ بدلا من معارضة فاتورة حرب موسعة وافق عليها مجلس الشيوخ ـ هاجم ماكين أوباما لأنه لم يكن في الجيش.

ومن شأن ذلك أن يثير التساؤل حول ازدواجية المعايير لعدم تطبيق نفس المبدأ على من ساقونا للعراق.

وهكذا فقد أظهر ماكليلان أنه سيكون هناك المزيد من القنابل، التي تنفجر ليس فقط في العراق ولكن هنا في واشنطن.

وسيكون هذا هو الحال إذا ما استمر عدد القتلى الأميركيين في العراق وإذا ما استمر سياسيون مثل بوش وماكين وهيلاري كلينتون يرفضون تحمل مسؤولية أدوارهم، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، في خلق هذه المأساة القومية.

* خدمة «نيويورك تايمز»