الرحمة!

TT

الصراع الصيفي الذي لا ينتهي مع إنقاص الوزن هو أشبه بحالة حرب موسمية بين الواحد وجسمه، وهو صراع لا يملك الإنسان سوى الإيمان والاعتقاد بأن هناك مؤامرة إرهابية تحاك ضده بمهارة وحنكة من المطبخ العربي والقائمين عليه بلا جدال! فالمتأمل في أسماء الوجبات فقط يدرك مدى «العنف الإرهابي» الموجه بحرفنة شديدة للجسم العربي المسكين الغلبان؛ فالأردن يقدم لنا «المنسف» وهي من اسمها يبدو جليا أن لها آثارا مدمرة وشظايا عنيفة لا يتحملها إنسان ولا ميزان، ويحتاج الشخص إلى رافعة شوكية ترفعه بعد تناولها، وفي الخليج هناك «المكبوس» وهي أكلة دسمة جدا، ونسختها السعودية «الكبسة» غنية عن التعريف ومن اسميهما يمكن التكهن وتوقع الشعور المصاحب لما بعد الأكلة نفسها، وهناك «المفروكة» في لبنان وفي اسمها من العبر والخيال الكافي بتوقع الملحمة المنتظرة حين الإقدام على التهامها وتناولها.. وهذا كله قبل الدخول في المطبخ السوري للتعرف على «المقلوبة»، والاسم وحده كاف لإظهار هول التوابع ومدى الآثار المنتظرة.

ولا يمكن نسيان «الكبب» و«المحاشي» و«الباشا بعساكره» (العسكر موجودون حتى في الأكل!!). وفي مصر أعانك الله وأنت تتناول «الوز المحمر» و«الفول المدمس» و«السمك بردة» ناهيك طبعا عن الثلاثي المرح: الفسيخ والمش والبطارخ وهي أكلات كفيلة بأن تقدم لك عرضا شخصيا وفريدا من نوعه للنجوم في عز الظهر. هذا السرد العجيب (الذي زاد عليه كاتب هذه السطور ثلاثة كيلوغرامات لمجرد كتابته فقط) هذا كله دون التطرق للحلويات وما أدراك ما الحلويات، وهي عادة ما يتم الإشارة لأطباقها بأسماء أنثوية حتى تضمن الإغراء الأقصى والوقوع في الفخ، فمن «زنود الست» ولا أحد يعلم من هي هذه «الست»، فقد تكون هذه الست «هي أم علي» الطبق المعروف، ولا يمكن إغفال الكنافة المزدوجة الأثر والتي تحمل نصف كمية القشطة التقليدية والمسماة بشكل مناسب «بين نارين».

وهناك طبعا «غزل البنات» مع عدم إغفال الكوارث الشهية الأخرى، «عيش السرايا» و«لقمة القاضي» و«بلح الشام» و«المامونية» و«كعب الغزال». هل أكمل أم اكتفيتم؟ والعجب العجاب أنه بعد أكلة من هذا النوع يأتي شاب واثق الخطوة ليسألك بكل جدية إذا رغبت في «قهوة بيضاء لكي تهضم» وهو يعلم يقينا أن ما تم تناوله لا يمكن هضمه ولا بشرب مياه النار. السفرة العربية شهية ولا جدال، غنية بلا نقاش، لذيذة بدون كلام، ولكنها وبكل أمانة بها العديد من الأصناف التي يجب أن تصنف كأسلحة دمار شامل مثلها مثل الأسلحة الكيماوية الفتاكة. ونظرة إلى الشوارع العربية والأجساد تتمخطر فيها ذات اليمين وذات الشمال يدرك الواحد أن الزلازل آتية على المنطقة وزلازل من نوع خاص: كامل الدسم.. وحتى يبدأ رجيم جديد وحمية جديدة نقول كل صيف وأنتم بخير.

[email protected]