من الهند إلى مصر

TT

شرع طيران الامارات السفر الى اكثر من مائة وعشرين رحلة اسبوعية الى الهند، أي أكثر مما تطيره حتى الشركات الهندية الى اي جهة كانت، انسجاما مع التزاحم المتزايد على الخط العربي الهندي. ذكرني ذلك بالوزير البحريني المرحوم يوسف الشيراوي، الذي كان يتوقع في العقد الماضي «ستتوجهون هندا رغما عنكم». كنا نعتبر نبوءته تلك من وحي المناخ الهندي المكثف في منطقة الخليج التي لم تقطع ابدا علاقاتها مع شبه القارة، او نوعا من «النستلجا» التي تحن للايام الخوالي عندما كان العرب يشترون البهارات والملاءات والحلي من بومباي، ويهاجرون اليها طلبا للعلم والعمل.

كنا نقول له الامبراطوريات لا تعود للحياة، والا ما بقي صعايدة مصر يجرون الحمير والجمال لسياح الاثار الفرعونية العظمى، ولا اكتفى اليونانيون بخدمة المقاهي وغسل الصحون لسياح قبالة اطلال امبراطورية اثينا. لكن يبدو ان الهند تعيد صياغة نفسها، ومستقبلا ربما تعلمنا الدرس الضروري لمحاربة الكسل والاتكالية ولوم الآخرين، هذا إن لم يترنح اقتصادها وتنهار عملتها تحت وطأة اسعار البترول الهائجة.

واذا كانت الهند تحاول صعود الدرج رغم الصعوبات فنحن نسأل الدول العربية الكبرى لماذا لا تحاول الشيء نفسه. مصر اليوم على عتبة الثمانين مليون نسمة، رقم بشري مهول مقارنة بمحيطها، ورقم ضئيل بامبراطورية الهند المليارية.

مشكلة مصر، مثل الهند، سكانية في جزء منها. فالعرب يعتقدون ان التكاثر بالولادات هو طريق القوة، لكن القوة في عصر التقنية طريقها العقل. يظنون ان العائلة الكبيرة مدخل للثراء، وهذا مفهوم موروث في العائلة الزراعية حيث يرى الاب في كل ابن جديد فلاحا رخيصا، في حين ان حاصدة واحدة من شركة كاتربلر تقوم بعمل اهل قرية بأكملها. مشكلة مصر، وهي هند العرب، سكانية جزئيا، لكن الحقيقة ان المشكلة ليست بسبب العدد والافواه الجائعة بل لان الايدي غير منتجة. وهذا حال تقريبا كل الدول العربية، الا من رحمهم ربي بالنفط.

ومصر تحاول محاربة توالد الارانب اليوم بالنصيحة من اجل اقناع المواطن البسيط بان طفلين او ثلاثة خير له من سبعة، حيث يحتاجون الى غذاء ودواء وملابس ومواصلات. شنت حملة اعلانية مكثفة عسى ان تصل الى عقل الاب الأرنب، المعارضة كالعادة تقف موقف المعارض.

حتى بدون هجمة المعارضة اشك كثيرا في ان تنجح الحملة وتقل نسبة الولادات، لأن التوعية مشوار طويل يتطلب محاصرة المواطن من كل الجهات، المدرسة والمسجد والتلفاز والاذاعة والاغنية الشعبية والمسرح واللوحات الارشادية.

أيضا، للمعارضة الحق عندما تلقي اللوم على الدولة لانها مسؤولة عن اصلاح حال الناس، لا لومهم على «سباق الارانب». ان تطوير امكانيات الفرد العادي تبدأ من تحسين التعليم، تطوير المناهج وقدرات المدرسين، ووضع مشروع تطويري مفصل يوضح اين وكيف سيكون موقع البلاد خلال السنوات المقبلة. حاليا، مصر مثل بقية الدول العربية، تعرف جيدا كيف سينقضي هذا العام، وتعلم جيدا مشاكل العام المقبل لكنها لا تملك حلولا عملية تعالج الجذور. هي قادرة بدليل ان برنامجها للاصلاح الاقتصادي مثير وايجابي لولا انه اصلح فقط قطاع الاعمال، الشريحة الصغيرة في رأس الهرم التي لا تنجب كثيرا، ولا تعاني من البطالة، ولا تحل مشكلة سبعين مليونا مهما اجتهدت في مشاريعها.

[email protected]

[email protected]