في آداب الخطاب

TT

عندما وصل جورج بوش الأب إلى الرئاسة قرر، مع وزير خارجيته جيمس بيكر، تجميد القروض التي تمنح لبناء المستوطنات في إسرائيل. وإذ يستعد بوش الابن للخروج يعلن وزير الإسكان الإسرائيلي زئيف بوييم عن خطة لبناء 900 وحدة سكنية إضافية في ضواحي القدس. ويصرّ الرئيس الاميركي في أواخر الولاية الطويلة والحافلة بسعادات الشعب الأميركي (دعك من الشعوب الأخرى) على أن الدولة الفلسطينية لا تزال ممكنة هذا العام. كل سنة وأنت طيب.

استفاق بوش على قضية عمرها 60 عاما في الأشهر الستة الأخيرة من عهده. وهو يتكل في ذلك على رئيس وزراء إسرائيلي صدر في حقه تقريران: الأول عسكري يعلن تخلفه في حرب تموز 2006، والثاني أخلاقي يتهمه باستساغة الرشوة وارتخاء الريق. وإذ يعرض بوش الهدية الفلسطينية على العرب بكل سراباتها يطلب في المقابل أن يخرج متأبطا العراق لكي يؤمن من بعده مستقبل ديك تشيني وبقية ذوي الأفضال ممن دلوه على خريطة الشرق الأوسط وأشاروا بإبهامهم على موقع العراق منه. هذا الشرق الأوسط كان يشير إليه وزير خارجيته كولن باول قبل سنوات قائلا، ببساطة مذهلة، إنه يريد تغيير خريطته. وبالفعل تغيرت الخريطة السياسية تغييرا جوهريا: تحولت إيران إلى قوة تطارد أميركا في العراق وفلسطين ولبنان، وتلوِّح لها بالقوة النووية من بوشهر.

عندما تحدث باول عن تغيير الخريطة لم يكن يعني إطلاقا إضافة الدولة الفلسطينية إليها. كان يقصد إقامة عالم عربي ضعيف وأعزل ومفكك واستمرار إسرائيل في بناء المستعمرات في الأراضي التي احتلتها عام 1967 لكي تلغي كل أمل للفلسطينيين ببناء دولة مستقلة خالية من معالم الاستعمار وشرطته وإعلامه. تغيير خريطة الشرق الأوسط وخفض الروح النضالية وثقافة الرفض في العالم العربي، كان يقتضي إزالة الاحتلال الإسرائيلي وليس إضافة الاحتلال الأميركي.

صحيح أننا سذج، لكن ثمة حقيقة أخرى، وهي أننا لسنا أغبياء. وبالمناسبة، فخامة الرئيس، حاول أن تؤدب الناطقة باسم البيت الأبيض. لا يقال «لسنا واثقين من الكلمات التي استخدمها» بل يقال، بكل أدب «لسنا واثقين من الكلمات التي استخدمها رئيس وزراء العراق» أو «نوري المالكي». ولا يقال «نحترم سيادتهم كليا» بل «سيادة الشعب العراقي». قليل من الاحترام. وقللي من ضمير الغائب في الإشارة إلى من له اسم ومن لهم دولة.