الخوف من عذاب القبر!

TT

قالت لي الطبيبة: أمامك ثلث ساعة!

ولم أفهم «أمامي» يعني إيه.. وكيف يكون الزمن أمامي وليس خلفي وفوقي وتحتي.. ونظرية أينشتين وضعت ساعة على كل مليمتر من المكان. فكل مكان زمان. وكل زمان مكان. ولكنها قالت: أمامي.. فهي صاحبة القول والرأي. وخلعت ملابسي ودخلت في جهاز الرنين المغناطيسي.. وليس أمامي أي شيء وإنما رنين ممل. وأنا محشور في الجهاز وممنوع من الحركة. وإنما أتنفس فقط. وأما كيف مضت هذه النصف الساعة فلا أعرف كيف. المهم أن أدخل وأن أسكت. ولم أجد شيئاً أفكر فيه.. وكيف يكون التفكير في هذا السجن الصوتي..

وفي ذلك اليوم كان د. مصطفى خليل قد توفي في الغرفة المجاورة. ومنذ سنوات توفيت الملكة فريدة في الغرفة التي تحتي. وقبلها المطربة فايزة أحمد والأديب ثروت أباظة وأصغر إخوتي.. ولم أجد أي معنى لأن أتذكر هذه الأسماء فإنني أحبهم جميعاً. ولا أعرف كيف تعذبوا ولا كيف حلت عليهم الراحة في ساعاتهم الأخيرة. حاولت أن أفكر في موضوع آخر. لم استطع. حاولت أن أتململ لم أستطع. ولم أحاول أن أقول: أخرجوني..

أما كيف مضى هذا الوقت الطويل جداً، فلا أعرف. هل الاستسلام؟ هل هو الصبر؟ هل هو الخوف من عذاب القبر؟

لقد كانت الطبيبة فتاة صغيرة وزميلاتها صغيرات أيضاً.. يعني إيه؟ هل شعرت بالخجل لأنهن صغيرات ويرينني كبيراً. هذه قرأت لي وهذه سمعتني. وهذه تمنت. وجاءت اللحظة: لحظة ماذا؟ لا أعرف. وإنما هي لحظة طويلة جداً، ولما خرجت من هذه المقبرة الصوتية سألت: كم أمضيت من الوقت؟.. قلن أقل مما تتوقع حوالي 19 دقيقة. والمفروض أن تبقى 25 دقيقة ولكن للعناية الخاصة والتوصيات الكثيرة اختصرنا الوقت. شكرتهن.. ولم أشعر بأن وقتاً قد اختصر.. وإنما كان عذابي ممتداً.. له أول وليس له آخر.. حاولت أن أسجل ما رأيت وما سمعت فلم أستطع إلا هذه السطور التي هي رنين بلا مغنطيس!

فما أسعدني بهذا الفراغ الرنان أو هذا الرنين الفارغ!