رسالة من القاهرة

TT

من الواضح أن أزمة الغذاء والطاقة العالمية قضية لها أهمية كبيرة في أميركا. ولكن عندما تأتي إلى مصر ترى كيف يمكن أن تكون أسعار الغذاء والوقود غير مستقرة على الإطلاق، في مجتمع يعيش الكثير من سكانه على حافة الفقر. وإذا ظلت هذه الأسعار في الارتفاع، فقد يغير الغذاء والوقود من شكل السياسة في العالم النامي، كما فعلت القومية أو الشيوعية في الماضي.

ومنذ عدة سنوات، بدأ الرئيس المصري حسني مبارك خطوات في طريق الإصلاح الاقتصادي الذي نتجت عنه زيادة النمو السنوي بنسبة 7% في الأعوام الثلاثة الماضية. ولكن الآن تبدد زيادة أسعار الغذاء والوقود كل هذا النمو، كما يحل الجراد بدلتا النيل.

ولنبدأ اليوم هنا بمحل الدواجن الذي يملكه حسين العشري، في حي شبرا الذي تسكنه الطبقات المتوسطة والدنيا. وهذا المحل يعطي معنى جديدا لمصطلح «الدجاج الطازج».

يصل الزبائن إلى المحل، ويختارون دجاجة حية من قفص الدجاج. فتذبح الدجاجة وينزع ريشها بينما ينتظر الزبون ليتسلمها في حقيبة بها جميع أجزاء الدجاجة. وقد ازدهرت التجارة في محل العشري على مدى الأعوام السابقة، حيث كانت الطبقات المتوسطة والدنيا في مصر تستطيع شراء اللحوم. ولكن في الستة أشهر الماضية، تضاعف سعر الدجاج. ويوضح العشري: «لقد ارتفع سعر كل شيء: الكهرباء، والعلف، والبنزين، والعمالة، ودواء الدواجن، وكل شيء».

ويشكل الإنفاق على الغذاء 60% من ميزانية منازل الفقراء في مصر، الذين يشكلون 40% من عدد السكان. فعندما تتضاعف أسعار القمح، لأن الكثير من المزارعين الأميركيين يزرعون الذرة من أجل الوقود الحيوي، يصبح الأمر مدمرا للمصريين، الذين يعتمدون على القمح الأميركي المستورد في صناعة الخبز. وأصبحت أحداث الشغب بسبب الخبز تتكرر هنا يوميا. أما بالنسبة للدواجن، فكل ما يعرفه العشري هو أن «عدد الزبائن أصبح أقل وحجم التجارة انخفض الآن». وتشتكي سيدة ترتدي الحجاب قائلة: «نحتاج أن نقدم لأطفالنا اللحوم، ولكن الآن نعطيهم قطعا أصغر قليلا».

وإلى جوار العشري، يقف رجل يبيع البطاطس على عربة خشبية.. «لم يعد في إمكاننا أن نخرج للتسلية الآن»، هكذا قالت سيدة زوجها ضابط جيش متقاعد، وهي تشتري البطاطس.. «ولكن هناك الكثير من الناس أسوأ حالا. فالبعض لا يستطيعون شراء الغذاء».

وعلى ناصية الطريق، أمام مخبز حكومي يبيع خبزا مدعما، يقف حشد صغير في انتظار حصتهم اليومية. ويجمع شخص آخر كسرات الخبز على عربة يجرها حمار، ليبيعها كعلف للحيوانات. فلا يهدر أي شيء.

وبدأ نقاش بين بائع البطاطس وزبائنه حول من هو «عديم الضمير». هل هم المدرسون في نظام التعليم الحكومي الذين يعطون دروسا خصوصية مقابل المال، لأن الفصل به 80 تلميذا ولا يمكن أن يتعلم أحد هناك. أو هم الأطباء في النظام الحكومي الذين يجب رشوتهم ليعطوك العناية اللائقة. إنهم ليسوا أشرارا، ولكنهم جميعا تحت الضغوط.

ومن شبرا ذهبنا إلى الصحراء في طريقنا إلى الإسكندرية، حيث يزدحم الطريق السريع بالسيارات. وأتساءل، كيف يمكن لكل هؤلاء المصريين أن يتحملوا تكاليف القيادة. والإجابة: سيتم إنفاق حوالي 11 مليار دولار هذا العام لدعم البنزين ووقود الأفران؛ ويبلغ سعر غالون الوقود حوالي 1.30 دولار فقط. وهذا يبدو جيدا للفقراء، وهم فقط الذين لا يملكون سيارات، ودعم الوقود يعني لهم قلة تكاليف النقل الجماعي.

فكر في هذه الأرقام: تنفق مصر هذا العام 6 مليارات دولار على التعليم و3 مليارات على الصحة، وذلك أقل بكثير من دعم الوقود. إنها مشكلة صعبة. كان لا بد أن يتوقف الدعم تدريجيا عندما كانت أسعار الغذاء والوقود منخفضة. أما الآن بعد أن ارتفعت، سيكون أثر رفع الدعم انتحارا سياسيا. وبدلا من ذلك، فقد أصيب التعليم والصحة في مقتل.

ولكن مصر اليوم دولة ذات نظامين. فعلى طول الطريق السريع إلى الإسكندرية، مررنا بمنطقة ذات بوابة تحتوي على منازل فخمة، تحمل أسماء مثل «موون فالي»، و«هايد بارك»، و«بيفرلي هيلز»، وفيها مجمع للغولف فيه 99 حفرة. ويسكن هذه المنطقة مصريون اجتهدوا وكونوا ثروات في الخليج أو مصريون من طبقة رجال الأعمال. وهم يملكون هذه المنازل مثل الأميركيين، ولكن استخدام الطاقة والمياه في هذه المناطق الجديدة يزيد من الطلب العالمي المرتفع أيضا.

إذاً فإن هناك خبرا جيدا وهو أن «الكثير من المصريين يمكنهم اليوم تحمل تكاليف الحياة مثل الأميركيين. والخبر السيئ هو: إن عددا أكبر من المصريين لم يعد في إمكانهم تحمل أعباء الحياة مثل المصريين. وهذا ليس جيدا بالنسبة لهم، وبالنسبة لنا.

* خدمة «نيويورك تايمز»