إشكالية العرب.. الحنين إلى الماضي والخشية من القادم!

TT

هل صحيح ان الثقافة فقدت بعدي الزمان والمكان؟ وهل صارت ثقافة الانترنت وثقافة الصورة الفضائية هما المفهوم الجديد لمعنى الاختراق الثقافي؟ وهل ساهم هذا المصطلح فعلا في تجسير العلاقة مع الآخر وانفتاحها عبر أسلوب المثاقفة (أي بمعنى التأثير والتأثر)؟ أسئلة مشروعة تبحث عن إجابة. على أن البعض يرى أن حال الثقافة العربية الراهن مثير للشفقة من كونها مغرمة بالتطلع الى الماضي أكثر من المستقبل، حتى أن احدهم وصفها بالثقافة الميتة مستندا إلى إحصاءات ومقارنات صريحة للكتب والمؤلفات الصادرة منذ عقود فائتة، في حين ان الثقافة الحية تتجلى في المستقبل وتشغل نفسها بالغد أكثر من الماضي.

ولعل في هذه الرؤية مساحة لان يأخذ الجدل مكانه، وتتداول الطروحات تماهيا أو تقاطعا مبلورة مساحات للحوار، ولذلك عندما نفكر في تلك الأسئلة الآنفة الذكر مع ما قيل حول الإصدارات العربية وانشغالها بالماضي أكثر من المستقبل، ندخل في متاهة فكرية، إن جاز التعبير، من حيث أن العصر في تسارع وتفاعل يستدعي وقفة جادة بالنظر إلى الأمام والتنبؤ بما يأتي من القادم من الأيام، وليس الركون إلى الماضي فقط رغم أهميته وارثه الملئ بالأحداث والرؤى، والتي ما كانت لتبقى لولا أنها تأصلت وتجسدت في القاع فكانت الهوية والتراث والتقاليد.

هذا لا يعني تجاهل الماضي بقدر ما ان المراد يكمن في تجديد المكتسبات بما يضمن لها التزاوج مع لغة العصر، والتركيز على قضايا المستقبل، والاشتغال بها لمواجهة تحدياتها. ولذلك كان من الطبيعي، أن نستغرب ذلك الاستغراق في النستالوجية والتمسك بالماضي ورفض التفاعل مع الحاضر ناهيك عن تجاهل الجديد وغير المألوف. صحيح ان الحلم جميل، ولكنه في نهاية المطاف ما هو إلا تفسير آخر للهروب من الواقع والتهيب بما هو قادم فتكون النتيجة انغلاقا على الذات ورفضا لتغيير واقع الحال. على أن المسالة لم تعد مقصورة على أصحاب التيارات بتنوع توجهاتها، بل انسحب الأمر على فئة المثقفين، واتضح ذلك في ما يقذفونه الى المطابع من مؤلفات وكتب، حيث احتوت في معظمها حول الحديث عن الماضي وبعثه من جديد، وكانت الحياة قد توقفت.

غير أنني قد أجد تفسيرا لهذا التوجه، وهو على أي حال ليس تبريرا وإنما قراءة تحليلية لذلك الزخم من النتاجات ذات الأحلام وصاحبة الحنين إلى الماضي، فتغلغل العولمة وفرض نفسها كتيار وحيد ومسيطر في اغلب المجالات، ربما أدى إلى حدوث ردة فعل تجاهها تمثل في تلك الكمية من المؤلفات التي تشي أن مؤلفيها أحسوا بطغيان العولمة ولا سبيل لكبحها أو مواجهتها سوى الاستغراق في ذلك الحلم النستالوجي أي العودة إلى الماضي والارتباط به، والكتابة عنه، حتى لو لم يشعروا بها إلا أنها كائنة هناك في القاع حيث العقل الباطن والصراع بين الهو والانا وفق تعبيرات فرويد.

غير أن المنطق يقول إن العالم بات قرية صغيرة، وهذه حقيقة صارخة لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل ، وبالتالي اختلفت المفاهيم والأدوات والمعطيات، وهنا تكمن الإشكالية في التعامل معها.

فالقبول أو الرفض لا يمثلان هنا لب القضية، وإنما القدرة على فهم المسألة والتعامل معها وفق الإمكانيات وبالتالي الإنتاج بدلا من الاستهلاك. ولعل تحديد الموقف منها بموضوعية وبدون انفعال أو تشنج سيقود بكل تأكيد إلى رؤية فاعلة ومنتجة.

إن تحصين الذات لا يعني انغلاقها، والاندماج معها لا يعني الانسلاخ عن الموروث، والخشية منها بتجاهلها لا يؤدي إلى تلاشيها. إن أنجع دواء لمواجهة ما يسمى بالاختراق الثقافي هو التعامل معه بحالته والتأقلم مع مكوناته، والبحث عن القواسم المشتركة، وطالما ارتهنا إلى العقلانية والموضوعية في التعامل مع الأشياء واعترفنا بأخطائنا وابتعدنا عن التهويل والتضخيم والمصطلحات الكبيرة، فقط عندها يمكن القول إننا بدأنا مرحلة المعالجة، هذا إن أردنا الإصلاح فعلا، وفوق كل ذي علم عليم.

www: zuhair-alharthi.8m.com