رأس الحربة الإيرانية

TT

دعونا نحاول للحظات وضع أنفسنا محل العميد قاسم سليماني، قائد «قوة القدس» التابعة للحرس الثوري الإيراني، وذلك لأن سليماني، المعروف برقة حديثه، وليس الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي يميل لاستخدام أسلوب خطاب طنان، يضطلع بدور حاسم في المواجهة القائمة بين بلاده والولايات المتحدة.

ويمكن القول أن سليماني يشكل الطرف المدبب للرمح الإيراني، حيث يتولى مسؤولية النشاطات الإيرانية السرية داخل العراق ولبنان وأفغانستان وعدد من الدول الأخرى. كما يتولى الإشراف على علاقات النظام الإيراني مع عملائه المسلحين الذين يعملون عنه بالوكالة، «حزب الله» و«حماس». وتعتبر إدارة بوش الجناح السري النخبوي الذي يقوده سليماني داخل الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. إلى جانب ذلك، يعد سليماني واحداً من أبرز واضعي الاستراتيجيات على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية. ويقدم سليماني تقاريره بصورة شخصية إلى آية الله علي خامنئي، وتأتي ميزانية قواته مباشرة من مكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.

يتميز سليماني بالثقة حيال قوة طهران الصاعدة في المنطقة، وذلك حسب وصف مسؤول عربي التقى به أخيراً. ويرى قائد «قوة القدس» أنه رغم الضعف الذي لحق بواشنطن جراء حرب العراق، فإنها ما تزال قوية. وأعرب أمام عدد من زائريه عن اعتقاده بأن الأهداف الإيرانية والأميركية داخل العراق متشابهة، رغم نبرة المواجهة المهيمنة على الخطابات في البلدين. إلا أنه لم يبد اهتماماً بعقد محادثات مباشرة ورفيعة المستوى مع الجانب الأميركي، وإنما يفضل، على ما يبدو، الانتظار حتى رحيل إدارة بوش، على أمل أن تتوافق توجهات الإدارة القادمة بدرجة أكبر مع المصالح الإيرانية.

في هذا السياق، أشار مسؤول عربي يلتقي بصورة منتظمة مع سليماني، إلى أن «مستوى الثقة التي يتمتع بها هؤلاء الأشخاص (قوة القدس) يوحي باعتقادهم أنهم كل شيء، وكل ما عداهم هامشي».

من ناحية أخرى، تميز القائد العسكري الإيراني بمهارة كبيرة في التعامل مع الأوضاع في العراق بما يتواءم مع المصالح الإيرانية. ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك عندما جرى شن حملة البصرة في مارس السابق وهاجم رئيس الوزراء نوري المالكي «جيش المهدي»، الميليشيا التي يتزعمها مقتدى الصدر. فرغم أن الإيرانيين كانوا يدعمون الصدر، فإنهم سرعان ما تحولوا إلى صف المالكي. واضطلع سليماني شخصياً بدور الوسيط في التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي أعاد الهدوء إلى البصرة.

ويؤكد الأفراد المقربون من سليماني أن دعم كل من المالكي والصدر في الوقت ذاته يعد أحد السمات المميزة له، فبدلاً من انتقاء حليف واحد، مثلما يفعل الأميركيون عادة، يختار سليماني الاحتفاظ بحليفين على الأقل في ذات الوقت. ومن خلال ذلك، يتمكن من تعزيز فرص إيران وتقليص المخاطر أمامها بأكبر صورة ممكنة.

وتجلى سعي سليماني لاستغلال الفرص أثناء موجة القصف المكثفة التي تعرضت لها «المنطقة الخضراء» في مارس، حيث أمد الإيرانيون حلفائهم بـ«جيش المهدي» في مدينة الصدر بصواريخ من عيار 240 ملليمترا وقذائف هاون وحددوا لهم الأهداف داخل المنطقة بدقة أسفرت عن تصاعد حاد في أعداد الضحايا الأميركيين.

وبعد يوم من القصف المكثف بصورة خاصة، بعث الجنرال ديفيد بتريوس برسالة إلى سليماني كان نصها «أوقفوا إطلاق النار على المنطقة الخضراء». وتم نقل الرسالة شفاهة من خلال الرئيس العراقي جلال طلباني.

ولفتت هذه التكتيكات الإيرانية القائمة على موجات من التصعيد والتهدئة انتباه ريان كروكر، السفير الأميركي ببغداد، حيث صرح أمام الصحافيين يوم الخميس بأن الإيرانيين سحبوا مقاتلي «جيش المهدي» من البصرة ومدينة الصدر، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانوا قد قرروا أن «حقبة الميليشيات قد ولت» في العراق أم أن ما يقومون به مجرد «توقف تكتيكي».

أما التساؤل الذي يفرض نفسه على مراقبي توجهات سليماني فهو ما حجم الدور الذي سيضطلع به في إطار المواجهة المتنامية حول البرنامج النووي لبلاده. من جانبها، يبدو أن إدارة بوش قررت اتخاذ مسار تصعيد الضغوط على طهران خلال الأشهر المتبقية لها في السلطة. وفي المقابل، فإنه رغم التزام الإيرانيين بتوجه صارم إزاء القضية النووية وكذلك الأوضاع في العراق ولبنان، فهم يبدون حذراً حيال الدخول في مواجهة شاملة مع واشنطن.

والآن، تخيل أنك قاسم سليماني، قائد جناح سري في الجيش الإيراني منتشر بمختلف أنحاء الشرق الأوسط، وأنك تشعر بالشك حيال إدارة بوش وإمكانية إقدامها على توجيه ضربة عسكرية ضد طهران، لكنك لست على ثقة من هذا الأمر. في الوقت ذاته، يساورك اعتقاد بأن واشنطن ليس بإمكانها الرضى بالظهور بمظهر الجبان خلال عام انتخابي، لكن ليس باستطاعتك التأكد من هذا الأمر أيضاً. كما أنك تدرك جيداً أن إيران تكتسب قوة متنامية، بيد أنك تعي في الوقت ذاته كيف أنه من الممكن إهدار هذه الميزة حال الإقدام على خيارات تفتقر إلى الحكمة. علاوة على ذلك، فأنت تعلم أن العرب، حتى داخل العراق، باتوا يشعرون بالضيق إزاء ما يعتبرونه تدخلاً ومبالغة في ردود الأفعال من قبل طهران.

وعليه، فأنت تراقب التطورات وتنتظر ما ستسفر عنه. وتعمل في الوقت ذاته على الاستعداد للرد، وبقسوة، حال تعرضك للهجوم، وطبقاً للشروط التي تمليها أنت، وليس خصمك.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»