مدينة لها مع العطش ألف حكاية وحكاية

TT

منذ أن عرفت جدة عبر تاريخها الطويل، والحديث عنها مقترنا بالحديث عن شح المياه فيها، فهي مدينة لها مع العطش ألف حكاية وحكاية، إذ أنها تقع في منطقة شديدة الجفاف تنعدم فيها العيون والآبار، وبالتالي لم يكن بها حتى عهد قريب شجر ولا نبات إذا ما استثنينا بضع شجرات «نيم» و«دوم» شاركت سكانها التكيف مع هذه الظروف القاسية.. ونشأت عبر مراحل تاريخية بعض المحاولات المحدودة لجلب الماء إلى المدينة من الأودية القريبة كما فعل السلطان المملوكي قانصوه الغوري، والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وقامت الحكومة التركية بعد ذلك بإنشاء محطة بدائية لتحلية مياه البحر عرفت باسم «الكنداسة»، وقد انتقد الشاعر الجدي محمد سعيد العتيبي تلاعب المسؤولين عن تلك «الكنداسة» في قصيدة شعبية شهيرة يحفظها جل سكان جدة القدامى، ومن أبياتها:

يا ذوي الرأي والحجا والكياسة

خلصونا من دوشة الكنداسة

كلكم تأخذون بالدس ماء

ويجينا البلاء من أجل كأسه

لو عطشتم كما عطشنا زعقتم

و«هرجتم» بشدة وحماسة

رحمة بالفقير فهو ضعيف

بهدل الفقر عقله وحواسه

يشتري اليوم «زفة» بريال

بعد أن باع قشه ونحاسه

أو يقول المأمور دون حياء

«خلص الماء» كسر الله رأسه

وجاء خلاص جدة من العطش والمعاناة على يد المغفور له الملك عبد العزيز حينما أوصل إلى جدة مياه العين العزيزية خلال عقد الأربعينات من القرن الماضي، فكانت الانطلاقة الثانية لهذه المدينة بعد الانطلاقة الأولى على يد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبفضل هذه العين تمردت جدة على سورها القديم، فترامت أطرافها، وتعالى بنيانها، وغدت لؤلؤة الوطن..

لكن جدة التي تحتضن اليوم ملايين السكان عاودتها الحظوظ العواثر مع المياه من جديد، وأصبح سكانها هذه الأيام يقفون في طوابير طويلة لعدة ساعات أمام مراكز توزيع المياه لتأمين احتياجهم.. وبعيدا عن كل تصريحات المسؤولين عن المياه التي لم تتحقق، فإن ما يتطلع إليه سكان هذه المدينة انطلاقة ثالثة ترتبط باسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تنهي وإلى الأبد معاناتهم التاريخية مع الماء، فعلى مثله حزما وعزما وحرصا تعقد الآمال.

[email protected]