تعطيل الرأي العام

TT

يثير أحد الكتب الصادرة حديثاً في الولايات المتحدة الأميركية قضية حساسة وجدلية تتعلق باستطلاعات الرأي العام الأميركي. فبعض هذه الاستطلاعات أشار في عام 2003 إلى أن 70% من الأميركيين يعتقدون بأن الرئيس العراقي السابق صدام حسين متورط في هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. تلك الاستطلاعات كانت واحدة من الركائز التي روجت لها وبنت عليها إدارة الرئيس جورج بوش حربها على العراق.

لا شك أن نسبة قرارات سياسية ومصيرية هامة، إلى ترجيحات يميل إليها «الرأي العام» باتت أمراً خلافياً في الولايات المتحدة وتحتاج إلى الكثير من التدقيق، خصوصاً مع انجراف كبريات وسائل الإعلام إما جهلاً أو عن قصد وراء شعارات وعناوين كبرى لم تثبت مصداقيتها لاحقاً..

يشير مركز «بيو» للابحاث المتعلقة بالأشخاص والصحافة الى أن لدى الأميركيين الآن شكوكاً تجاه وسائل الإعلام أكثر بكثير مما في الماضي حتى مع انتشار التلفزيون والانترنت.

في عام 1936 وعندما كانت استطلاعات الرأي العام لا تزال في مهدها أجرت مؤسسة «ليتيراري دايجست» المرموقة دراسة طموحة استخدمت فيها دليل الهاتف وتسجيلات السيارات. وكانت النتيجة التي توصلت إليها أن الجمهوري «آلف لاندون» سوف يهزم بسهولة الرئيس «فرانكلن روزفلت» وهو في الحكم. وقد فاز روزفلت بالطبع بأغلبية ساحقة.

ذلك الإخفاق الكبيرفي قياس الراي العام والبناء عليه في تلك الحادثة جعل مستطلعي الرأي يتبنون معايير جديدة لزيادة الدقة والمصداقية في نتائجهم. واليوم لا تعد استطلاعات الرأي معصومة عن الخطأ إلا أن الاستطلاع أصبح كلي الوجود في الحياة الأميركية سواء في قياس المواقف تجاه مرشحي الرئاسة أو المدارس العامة أو تأمين السيارات أو أجهزة الكومبيوتر.

في عالمنا العربي والإسلامي يبدو مأزق قياس الرأي العام مرتبطا إلى حد كبير بمأزق صناعته. فإذا ما اعتبرنا وسائل الإعلام هي إحدى المرايا التي من المفترض أن تعكس اتجاهاً لهذا الرأي العام أو أن ترصده فهي في الأساس وقبل أدائها هذه الوظيفة محكومة بتعريفها أي أنها ليست مرآة صادقة أو أنها تعكس صوراً مضلِلة. المشكلة عندنا مركبة وتكمن في طرفي معادلة قياس الرأي العام أي في وسيلة القياس وفي الجمهور نفسه.

لا شك أن المشكلة في أميركا لم تكن في وسائل القياس، إنما في نوع المعلومات التي تم الترويج لها قبل قياس الرأي العام..

عندنا المشكلة في نوع المعلومات وفي وسيلة القياس.

فإذا ما أردنا أن نقيس مثلا مدى طبيعة استقبال الجمهور السوري لخطوة المفاوضات التي انطلقت مع اسرائيل فنحن محكومون أولا بالتحفظ الرسمي السوري على مكاشفة الجمهور بما يجري ومحكومون أيضاً بغياب تقليد «استشارة» الجمهور في خطوة كهذه مما يعني عطلا ثقافيا يعيق جدوى هذه التقنية ومحكومون ثالثاً بانعدام شفافية اعلان النتائج.

خلاصة ذلك أننا حيال تاريخ من تعطيل الرأي العام..

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com