حوارات بلا نهايات ومفاوضات بلا نتائج

TT

سارع رئيس وزراء دولة غزة إسماعيل هنية إلى الكشف عن طبيعة «المفاجآت» التي وعد بها السلطة الوطنية وحركة «فتح» إن هما قبلتا بحوار مع حركة «حماس» بلا شروط مسبقة، فهو قال وفي التصريح نفسه الذي تحدث فيه عن هذه المفاجآت: إننا نأمل أن يتم التوصل إلى وفاق وطني قبيل انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس في يناير (كانون الثاني) المقبل.. إن هذا ما نتمناه وما نسعى إليه ونحن حريصون عليه لكن إذا لم تتم المصالحة الوطنية في هذا الوقت المشار إليه وانتهت المدة فإنه سيكون لنا بالتأكيد موقف آخر.. إن لكل حادث حديثا وإن السياسة تحفل بالمتغيرات.

إنه تهديد واضح ولا لبس فيه فإما ان يتم الحوار الذي تريده «حماس» بلا شروط مسبقة أي بدون أن تتراجع عن انقلابها العسكري الذي كانت ذكراه الأولى في الرابع عشر من هذا الشهر يونيو (حزيران)، أي يوم السبت الماضي، وإلا فإن موعد المواجهة سيكون بعد انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس الذي قال إسماعيل هنية انها تنتهي في يناير (كانون الثاني) المقبل بينما تقول حركة «فتح» بل ان هذه الولاية تنتهي في هذا الشهر ذاته ولكن ليس في عام 2009 بل في العام الذي يليه.

ولعل ما يدعو إلى الضحك ويبعث على السخرية في هذا الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي غدا بلا نهاية كقصص ألف ليلة أن اسماعيل هنية اشترط على محمود عباس ان يكون الحوار المنشود بلا أي شروط مسبقة وذلك في حين انه وضع عشرة شروط في هيئة مبادئ قال انها تحكم حركته، أي حركة «حماس»، كل شرط منها يحتاج الاتفاق عليه إلى عشرة أعوام من المفاوضات وربما أكثر وهذه الشروط المبادئ هي: وحدة الضفة والقطاع والنظام السياسي واحترام الخيار الديمقراطي والالتزام بنتائجه والشرعية الفلسطينية والقانون الأساسي والالتزام به وإعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس وطنية ومهنية والالتزام باتفاقي مكة المكرمة 2007 والقاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطني 2006.

بقي ياسر عرفات، رحمه الله، يحاور «حماس» أكثر من عشرين عاماً ولم يستطع التفاهم والاتفاق معها على أي مبدأ من هذه المبادئ. والمؤكد ان محمود عباس لو بقي يحاور خالد مشعل عشرين عاماً أخرى فإنه لن يكون هناك أي وفاق وطني ولن تكون هناك أي مصالحة وطنية، فالعلاقة بين الطرفين تحكمها معادلة إلغائية، حيث وضعت حركة «حماس» منذ أن كانت قيد الانشاء والتشكيل كابن شرعي للثورة الخمينية، كما قال سفير إيران السابق في دمشق محمد حسن أختري، نصب أعينها القضاء على منظمة التحرير والقضاء على حركة «فتح» ووراثة الحركة الوطنية الفلسطينية كلها... المسيرة والشهداء، والاعتراف العربي والدولي والدولة المستقلة المستقبلية والمفاوضات التي من المفترض أن تؤدي إلى هذه حتى مع أميركا والدولة الاسرائيلية.

لا يوجد أي أمل بانتهاء هذا الانقسام الجغرافي بين غزة والضفة الغربية وهذا الانقسام السياسي بين «حماس» ومنظمة التحرير الفلسطينية ودولة غزة ودولة رام الله، فالمواقف متباعدة جداً وما هو مختلف عليه لا تفيد معه المساومات ولا يقبل الحلول الوسطى والالتقاء في منتصف الطريق، لذلك فإن كل هذه اللقاءات وكل هذه الوساطات هي مجرد ألاعيب متبادلة هدفها استدراج عواطف الشعب الفلسطيني والتماشي مع الرأي العام العربي وسعي كل طرف لالقاء ما وصلت إليه حال الفلسطينيين وحال قضيتهم على الطرف الآخر.

يصف أحد كبار المسؤولين هذه الحوارات المتنقلة من عاصمة عربية إلى أخرى، والتي وصلت في آخر حلقة من هذه السلسلة الطويلة إلى السنغال في غرب أفريقيا، بأنها «طبخة بْحصٍ» وهنا ولأن الكتاب يقرأ من عنوانه فإن عنوان الجولة الجديدة من هذه الجولات التي لا نهاية لها التي من المنتظر ان تجري في القاهرة قريباً كما يقال هو الاجتماع الذي عقدته الفصائل الدائرة في فلك «حماس» في دمشق أخيراً، حيث كررت في البيان الذي صدر عن هذا الاجتماع ما كان قيل عشرات المرات وهو ان محادثات أو مفاوضات القاهرة هذه المشار إليها آنفا يجب ان تتم على أساس الاتفاق الشهير الذي تم التوصل إليه في العاصمة المصرية وعلى أساس اتفاق صنعاء (وليس قمة دمشق) ووثيقة الأسرى الفلسطينيين المعروفة والثوابت الفلسطينية التي ينظر إليها كل فصيل فلسطيني من زاوية توجهاته وتحالفاته وارتباطاته التي غدت كـ«قميص عثمان» بالنسبة لتنظيمات الرفض والمعارضة.

سيمضي هذا العام بلا ولو حتى نتيجة متواضعة واحدة وذلك وان بقي المتفاوضون في اجتماع متواصل على مدى كل الشهور الستة المقبلة، فكل طرف يرى ان الحق الى جانبه وان موقفه هو الصحيح وانه هو الذي يمثل ارادة الشعب الفلسطيني وكل طرف يرى ان الطرف الآخر يستهدفه أكثر مما يستهدف اسرائيل وان العلاقة مع هذا الآخر، بعد تجربة «الشراكة» المحبطة المخيبة للآمال والتي انتهت بانقلاب غزة المشؤوم، علاقة الغائية من المستحيل تغييرها، بحيث تكون هناك شراكة حقيقية وتوزيع ادوار بين الجهة الحاكمة والجهة المعارضة.

ان كل ما تريده «حماس» من هذه الحوارات، التي غدت بلا نهايات والتي بات المتحاورون يذهبون إليها وكل واحد يغرز رأس خنجره في خاصرة الآخر، هو فرض نفسها وفرض دولتها، دولة غزة كأمر واقع وهو فك الحصار عن هذه الدولة ليكون لها اتصال مع العالم الخارجي وهو ايضا الاستعداد لنهاية ولاية الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، حيث من المتوقع ان تسود فترة فوضى وان يحدث فراغ رئاسي اذا بقيت الامور تسير في هذا الاتجاه الذي تسير فيه.. وهذا هو الذي قصده اسماعيل هنية في تصريحاته الآنفة الذكر التي قال فيها: «إن لكل حادث حديثا وان السياسة تحفل بالمتغيرات».

ان «حماس» تراهن، وهي تتمسك بهذا الحوار الذي بات كحوار الطرشان، على عامل الوقت كي ينتهي هذا العام بلا أي انجاز بالنسبة لهدف اقامة الدولة المستقلة وبالتالي لتنهار عملية السلام وتنهار معها منظمة التحرير والسلطة الوطنية وحركة «فتح» ومحمود عباس (أبو مازن) لتقوم هي بملء الفراغ الذي سيحصل ولتحل محل منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وكمفاوض بلا أي شريك وكوريث للحالة الفلسطينية كلها منذ عام 1965 وحتى الآن، وعندها فإن المفاوضات لن تصبح محرمة فالناس على دين ملوكهم وكل شيء جائز ما دام ان دمشق لم ترَ عيباً في أن تفاوض الاسرائيليين سراً وعلانية وبصورة مباشرة وغير مباشرة!!

والمؤكد أيضا أن منظمة التحرير من جهتها لا يمكن أن تصل إلى حد وضع رقبتها في قبضة «حماس» حتى وان هي ذهبت الى المفاوضات، فالشهور الستة المتبقية من هذا العام في غاية الدقة والحساسية وهنا وبغض النظر عما قالته كونداليزا رايس بهذا الخصوص خلال زيارتها الاخيرة الى رام الله والقدس المحتلة فإنه من غير الممكن أن يقبل محمود عباس بمصالحة وبوفاق وطني مع حركة المقاومة الإسلامية بدون التزام هذه الأخيرة بالاتفاقات المبرمة مع الاسرائيليين في اطار اتفاقيات اوسلو وفي اطار عملية السلام كلها وبخاصة ان هناك معلومات متداولة في الاوساط الفلسطينية المسؤولة تتحدث عن أن الاسرائيليين باتوا اكثر جدية!! لذلك وبالنتيجة فإنه يمكن الجزم بأن الحوارات المتوقعة التي ستجري في القاهرة ستكون بلا أي نتائج وان لا شيء اطلاقا على هذا الصعيد حتى آخر هذه السنة على الأقل.