عبء غوانتانامو ملقى على كاهل الكونغرس

TT

لا تتضمن الكلمات الرئيسية في قرار القاضي انتوني كيندي بخصوص غوانتانامو، تاريخ الأمر القانوني الذي ينص على تحويل المتهمين إلى القضاء للنظر في قانونية سجنهم، والوضعية الإقليمية لخليج غوانتانامو ومسؤولية السلطة التنفيذية تجاه حكم القانون. ولكن، تأتي هذه الأمور في الصفحة قبل الأخيرة في الحكم ولذا ليس من المحتمل أن تجذب كثيرا من الانتباه وسط اللغط الذي أثاره الحكم بالفعل. قال كيندي: «لا يعالج الحكم محتوى القانون الذي يحكم اعتقال مقدمي الالتماسات، فلم يتم البت في هذا الأمر حتى الآن».

نعم، لقد تمت الموافقة على تطبيق الأمر القانوني، الذي ينص على مثول المتهمين أمام المحكمة للتأكد من قانونية اعتقالهم، على معتقلي غوانتانامو. ولكن، كما قالت أغلبية هيئة المحكمة في هذه الفقرة المختصرة، لا يعني ذلك أن الحكومة تعتقل شخصا واحدا بصورة غير قانونية في القاعدة. ولم يكن لدى المحكمة الكثير لتقوله عن أي إجراءات ستحتاجها الحكومة لتقرير من يجب أن يعتقل. والأكثر أهمية، لم تطلب المحكمة إطلاق سراح أي من المعتقلين في غوانتانامو.

والنتيجة، بعد مضي نحو ستة أعوام ونصف العام منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ما زالت أميركا تواجه نفس الأسئلة الجوهرية حول الاعتقالات، والأسئلة ذاتها التي واجهتها منذ أول يوم قام فيه الجيش بإحضار أول أسير لكوبا.

لقد مضى الكثير من الوقت كي نجيب على هذه التساؤلات. وفي الواقع، نجد الآن الكونغرس والسلطة التنفيذية، سواء كانت إدارة بوش أو من سيخلفه، يحتاجان بشدة إلى تفعيل حل تشريعي شامل لمشكلة الاعتقالات في الحرب ضد الإرهاب، سواء فيما يتعلق بتحديد «محتوى القانون» واتخاذ الإجراءات المناسبة لإصدار هذه الأحكام.

لم يكن في يوم من الأيام عدد المعتقلين في غوانتانامو هو النقطة الأساسية، فبعض المعتقلين في القاعدة خطرون للغاية، وهم مقاتلون أعداء لأميركا. وعلى سبيل المثال، فقد قال أحدهم أمام لجنة المراجعة: «أنا أمثِّل تهديدا للولايات المتحدة وحلفائها. أنا أعترف لكم أنه شرف لي أن أكون عدوا للولايات المتحدة. أنا جهادي مسلم». واستطرد الرجل قائلا بأنه «ليس من رجال أسامة بن لادن، وإنما أنا أحد أبنائه. أفديه بنفسي، سأعطيه كل عائلتي ومالي». ويقر معتقلون آخرون بحقائق تجعلهم عرضة للاعتقال بموجب قوانين الحرب، على الرغم من أنهم لا يعدون إرهابيين تابعين للقاعدة أو طالبان.

وفي هذه الأثناء، نجد أن معظم المعتقلين هناك إما ينكرون الادعاءات الموجهة لهم، بدرجات متفاوتة في الإقناع، أو اختاروا ألا يعالجوها وفق آليات المراجعة البدائية التي أسستها الحكومة. وفي الأغلب، يعرض هؤلاء المعتقلون قضايا معقدة فيها الكثير من الغموض.

ويوجد في غوانتانامو عدد كبير من المعتقلين الذين برأتهم الحكومة منذ فترة طويلة ومن المفترض أن يطلق سراحهم أو يرحلوا، ولكنها لا تستطيع إعادتهم إلى بلادهم خشية أن يتعرضوا للتعذيب أو لأن هناك دولا أخرى تسعى لاعتقالهم. والبعض منهم يمثل تهديدا بسيطا للولايات المتحدة أو لا يمثلون أي تهديد مطلقا. كما توجد مجموعة كبيرة في القاعدة ينوي الجيش تحويلهم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

ويطلق النظام الحالي على كل هؤلاء المعتقلين صفة «مقاتلون أعداء»، ولكنهم يمثلون مشاكل مختلفة. وأكثر من هذا، بسبب الضعف الشديد الذي تتسم به عمليات المراجعة الحكومية، أظهرت المحكمة العليا يوم الخميس عدم الاكتراث بهذه العمليات، ويمكن أن نتوقع أن محاكم أدنى، على ضوء حق المعتقلين في المثول أمام محكمة للتأكد من قانونية اعتقالهم، ستبدي اهتماما أكثر قليلا لقرارات الاعتقال. والقضية هي أننا نحتاج إلى نظام جديد يدفع المحاكم لإظهار مزيد من الاحترام عند النظر في القضية.

وسيقوم النظام الجديد بما يقوم به النظام القضائي، حيث سيكون لكل معتقل مجموعة من الوقائع الحقيقية وسجل يقيم قرار الاعتقال. وبالنسبة للمعتقلين من نوعية الموقوفين في غوانتانامو فإن قرار الاعتقال يجب ألا يكون في يد الجيش ولكن في يد محكمة فيدرالية مدنية، منوط بها طبقا للوائح تقييم ما إذا كان المعتقل تتوافر فيه المعايير المنصوص عليها قانونا.

وفي هذه الدعاوى القضائية، يجب أن يتمتع المعتقلون بحقوق حقيقية، كأن يكون هناك محام يمثله، مسموح له بالإطلاع على كافة الأدلة، حتى تلك الأدلة السرية. ويحتاج المعتقلون إلى الحصول على تلخيص مفصل حول الأدلة الموجودة ضدهم. ويجب أن يستمر الإشراف القضائي على هذه القرارات.

وباختصار، يحتاج الكونغرس إلى أن يصوغ نظاما منفتحا بصورة كافية للجمهور لمعرفة إلى أي مدى يعاني بعض المعتقلين.

وإذا فشل الكونغرس مرة أخرى في الوصول إلى هذا النظام، فلن يكون قرار المحكمة العليا يوم الخميس حلا للخلاف حول غوانتانامو. وستكون هناك دعاوى قضائية تتعلق بأسئلة صعبة مثل: من تريد أميركا أن تعتقله خارج جهاز القضاء الجنائي؟ وما هي الإجراءات التي ستستخدمها من أجل تقييم حالة الأسرى؟ وما هي الحقوق التي يجب أن تمنح لهؤلاء الأسرى؟

لقد قللت المحكمة من النطاق المسموح للكونغرس للإجابة على هذه الأسئلة، ولكنها، لحسن الحظ، لم تخلص النظام السياسي من أعبائه، ولا يتحمل الكونغرس التهرب من هذا العبء لفترة أطول.

* مدير أبحاث القانون العام في مؤسسة «بروكينغز»

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»