توظيف «الصدمة النفطية»

TT

أحدث دراسة اقتصادية نشرتها مؤسسة «مورغان ستانلي» ركزت على ما وصفته ببداية مرحلة مؤثرة في ظاهرة «انتقال الثروات» إلى الدول المصدرة للنفط متجاهلة تحول شركات النفط الكبرى، في أعقاب الأرباح الخيالية التي جنتها من ارتفاع اسعار النفط، الى «كارتيلات» مالية قد تشكل بداية مرحلة مؤثرة في الانظمة الرأسمالية ايضا.

الظاهرة الطاغية على دراسة المؤسسة كانت ارتفاع دخل السعودية اليومي من صادراتها النفطية وتقدير قيمة احتياطي دول التعاون الخليجي من النفط بـ65 تريليون دولار، معظمها مرشحة، في تقدير الدراسة، لأن تتحول الى ارصدة مالية. وتعتبر الدراسة ان ظاهرة تحول الثروات من الغرب والشرق الاقصى الى الدول المصدرة للنفط ليست عرضية بل أنها مرشحة للاستمرار لغاية «الجيل المقبل»، مما يعني انه بقدر ما تجتهد الصين في تنمية اقتصادها، وبقدر ما يتسارع نمو الاقتصاد الهندي.. بقدر ما ستستمر اسعار النفط في الارتفاع. إلا انها تنبه من أن تفرز عملية «الانتقال» الجارية للثروات المالية تبعات جغرافية ـ سياسية واقتصادية ـ مالية أبرزها: نمو اقتصادي مرتفع في دول مجلس التعاون الخليجي يترافق مع معدلات تضخم مرتفعة ايضا، وضغوط على آلية الترابط بين عملات الخليج والعملات الدولية الرئيسية.

بأي مقياس كان، يعيش العالم اليوم «صدمة نفطية» مذهلة بعد ارتفاع اسعاره من 9 دولارات للبرميل مطلع التسعينات، إلى استقراره قبل خمس سنوات ـ ولفترة غير قصيرة ـ على 26 دولاراً للبرميل ثم ملامسته عتبة 135 دولاراً في الآونة الاخيرة.

واللافت في «الصدمة النفطية» الراهنة أنها لا تختلف في معدل ارتفاع الاسعار عن «صدمة» مطلع السبعينات، فآنذاك واليوم بلغ معدل الارتفاع أربعة أضعاف السعر السابق. ولكن «صدمة» السبعينات ـ التي سببها الحظر النفطي العربي ـ شلت العالم تقريبا وخلفت بصمات عميقة على العديد من الدول المستهلكة وألبت الغرب على «أوبك».. والعرب استطراداً.

أما «الصدمة» الحالية فلا ناقة لأوبك فيها ولا جمل. وهكذا، بعد انقضاء خمسة وثلاثين عاماً على «الصدمة النفطية» الاولى وعودة الاسعار إلى الارتفاع في ما يمكن وصفه «بصدمة نفطية تدريجية»، لم تعد «أوبك» المشكلة ـ بل الحل بالنسبة للدول المستهلكة، فالملاحظ ان الصدمة النفطية «التدريجية»، رغم ما تثيره من قلق على الاقتصاد العالمي وتخوف من استفحال المجاعة في الدول النامية، لم ترافقها اتهامات لـ«أوبك»، ولا للعرب، بمسؤولية ما في حدوثها. مع ذلك لا يغفل الغرب عن تحميل العرب ـ وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي ـ مسؤولية اقتصادية جسيمة.. إن لم يحسنوا إدارة الثروات المتدفقة عليهم، فرغم أن عواصم القرار الاقتصادي في الغرب لم تبدِ، حتى الآن، قلقا ظاهرا من عملية «انتقال» الثروات الى الخليج، فقد بدأت التقارير المتخصصة بالتنبيه الى ان الحجم الهائل للاموال المتدفقة على دول الخليج بات أضخم من طاقة اقتصاداتها «الصغيرة» على إنفاقه، فاصبح يفاقم «الفائض» القائم في المدخرات المالية. (مع ذلك لا تغفل التقارير الغربية عن التنويه ببعض ايجابيات الثروة المالية «المنتقلة» إلى دول مجلس التعاون الخليجي؛ وبينها المشاريع الانمائية الكبيرة التي تمولها مثل مشروع بناء ست أو سبع مدن اقتصادية جديدة في السعودية..).

ولكن السؤال الذي لا تطرحه التقارير الغربية هو: هل سيقتصر مفعول عملية «انتقال» الثروات على النظام المالي لدول مجلس التعاون الخليجي وخططها التنموية الداخلية ام سيتجاوزهما الى تعزيز «كلمة» المجلس في المحافل الدولية.. أو بتعبير أكثر وضوحاً هل ستترجم دول مجلس التعاون الخليجي مردود السخاء الجيولوجي الذي تنعم به اليوم إلى نفوذ سياسي أوسع على ساحتها الاقليمية؟

لا جدال في ان توظيف مردود الصدمة النفطية الراهنة على الساحة السياسية مسؤولية عربية أولا وآخراً، ومسؤولية تبدو واردة في ظل تزامن نمو «النفوذ» المالي العربي مع السعي الايراني لامتلاك نفوذ نووي، الأمر الذي يرهن مستقبل الشرق الاوسط بسباق عربي ـ إيراني لن تكون الاسرة الدولية في منأى عنه. وإذا أحسن العرب فعلا «توظيف» نفوذهم المالي سياسياً يصبح الغرب، مكرها أم بطلا، الداعم الرئيسي للتطلع العربي الى دور أكبر في المنطقة.