الاتحاد الاشتراكي المغربي.. إلى أين؟

TT

 انفض المؤتمر الثامن للاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية الذي انعقد الأسبوع المنصرم، بعد أن عجز عن حسم خلافة كاتبه الأول الحالي الوزير محمد اليازغي الذي استقال أخيرا من مسؤولية قيادة الحزب المغربي العتيد الذي ارتبط بقوة بتاريخ المغرب المعاصر.

ولقد بدا من الواضح ان الحزب يعيش هذه المرة أزمة مستعصية حادة لا تقل أهمية عن اللحظات الكبرى التي طبعت مساره الطويل منذ انفصاله عن حزب الاستقلال الأم عام 1959 وبروزه في شكله الحالي عام 1975 بعد تطبيع وضعه داخل المعترك السياسي، إثر صراع قاس مع القصر.

والواقع ان الحزب في مساره الطويل ظل دوماً نمطاً من التكتل الواسع بين قوى واتجاهات متمايزة من حيث الخلفية الآيديولوجية والاجتماعية، حتى بعد انفصاله عن النخبة المدينية المحافظة التي بقيت على ولائها للزعيم التاريخي لتيار الاستقلال المرحوم علال الفاسي، وبعد تبنيه لخطاب اليسار الذي انتقل تدريجيا من النزوع الماركسي الى الخيار الاجتماعي الاشتراكي في نهاية السبعينيات. ومن الجلي ان الأزمة الراهنة تعكس مصاعب الانتقال من قيادة جيل الزعامة التاريخية للحزب اثر اعتزال أمينه العام السابق عبد الرحمن اليوسفي عام 2003 الى جيل الجهاز الحزبي الذي يمثله اليازغي والمرشحون الثلاثة الرئيسيون لخلافته: الاقتصادي البارز ووزير المالية في حكومة التناوب فتح الله ولعلو، ووزير العدل الحالي ورئيس البرلمان السابق عبد الواحد الراضي، ووزير التربية السابق الحبيب المالكي.

وإذا كانت المرحلة الأولى من تجربة الحزب بعد الاستقلال قد ارتبطت بقوة بمؤسسه ورمزه البارز المهدي بن بركة الذي اختفى قسرا عام 1965، فإن تطبيع وضعه داخل الحقل السياسي المغربي وتأسيسه الفعلي كحزب قوي وفاعل يعود للمرحوم عبد الرحيم بوعبيد الذي كان عند وفاته عام 1992 قد مهد بنجاح لتجربة المصالحة مع المؤسسة المالكية التي أفضت بعد سنوات ست من رحيله لحكومة التناوب برئاسة اليوسفي.

وإذا كان بن بركة يتمتع بكاريزما ساحرة وبعلاقات خارجية واسعة، داخل تيار اليسار العالمي، فان بوعبيد الذي كان يتمتع بخصال رجل دولة من طراز فريد أدرك بحسه السياسي الثاقب متطلبات التأقلم مع محددات المجال السياسي المغربي الذي تضطلع فيه الملكية بدور محوري لا سبيل للالتفاف عليه. لقد استوعب الرجل بقوة تجربة حكومات الاستقلال الأولى التي شارك فيها الحزب وترأس إحداها (حكومة عبد الله إبراهيم)، وكان هو نفسه احد ابرز وزرائها، كما استوعب تجربة الصدام المأساوي مع القصر في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وكان احد ضحاياها، فاستأنف منذ 1974 الاتصالات مع الملك الراحل الحسن الثاني في إطار عقد جديد كفل الشرعية وحرية الحركة للحزب في إطار الإجماع المنشود حول قضية الصحراء.

ومع ان الحسن الثاني عرض على الحزب الانضمام للحكومة عام 1978، إلا ان موقف بوعبيد المناوئ للاستفتاء الذي اقترحه الملك لتقرير المصير في الصحراء فرق سبل الرجلين، فاعتقل بوعبيد عام 1981 قبل ان يخرج بعفو ملكي بعد أشهر من السجن.

ومع انطلاق الإصلاحات السياسية التي عرفها المغرب في مطلع التسعينيات وفي مقدمتها مراجعة الدستور لتعزيز سلطات البرلمان والحكومة التي لقيت ترحيب الاتحاد الاشتراكي (على عكس المراجعات السابقة)، بدا الحسن الثاني منذ سنة 1993 يتحدث عن ضرورة التناوب التوافقي في المغرب بمشاركة المعارضة السابقة وفي مقدمتها الاتحاد في السلطة. ومع ان اليوسفي القادم من منفى طويل في فرنسا لم تكن له لا كاريزما بن بركة ولا دهاء بوعبيد، إلا انه ظهر كرجل الإجماع داخل الحزب، بروحه المنفتحة وأسلوبه المرن الهادئ، فاستطاع تجنيبه التصدع الخطير، على الرغم من تهجمات صديقه الفقيه البصري اللاذعة وانشقاق الكونفدرالية العمالية التي يتزعمها النقابي الشرس نوبير الأموي.

واليوم بعد تجربة سنوات عشر في الحكومة بدت سيئة الأثر على الحزب الذي تدحرج في انتخابات من المركز الأول الى الموقع الخامس، بات من الجلي ان الاتحاد الاشتراكي المغربي يعاني من مأزق بنيوي سيكون له بدون شك تأثير على كامل الحقل السياسي المغربي.