أيضا مستقبل الذين لا يملكون

TT

عارض المفكر العربي عبد المحسن القطان، قرار ياسر عرفات عام 1975، «بعزل» حزب الكتائب اللبنانية قائلا له: لا يجوز لنا عزل جماعة لبنانية في أرضها، لأن الذين يحبون الكتائب سوف يستغلون ذلك علنا، والذين لا يحبونها سوف يتضايقون سرا. وعام 1991، رأى القطان نفسه مرة أخرى في مواجهة حركة دعمها منذ تأسيسها، وكان أحد الفلسطينيين الكبار القلائل الذين أعلنوا معارضتهم لمنظمة التحرير ورئيسها. ولما شعر أن عرفات يريد أن يكبده ثمن الموقف سياسيا، انصرف إلى مؤسسة الرعاية الفلسطينية في جنيف، وحوّل الثروة التي جمعها عبر شركة «الهاني»، إلى مؤسسة اجتماعية تتكرس بصورة عامة إلى رفع مستوى التعليم في فلسطين.

صيف 2006، بدأ القطان البحث في تشكيل مجموعة عربية تطلق الدعوة إلى قيام أكبر مؤسسة اجتماعية في تاريخ العالم العربي. كان سعر النفط قد بدأ يبلغ مستويات غير مألوفة، وثروات العرب ترتفع، وفقراء العرب يتزايدون. وكانت الفكرة تقضي بأن تتولى الدول المموّلة، أو المؤسسة، إدارة الصندوق والإشراف على تنفيذ المشاريع، وتوزيعها، واختيار الدول المحتاجة حقا، وذلك لحماية مثل هذه المؤسسة وعملها وسمعتها وتأمين ديمومتها. ولم يكن طرح الفكرة على أساس «اقتسام الثروة»، فهي لأهلها، لكن على أساس استثمار الفوائض في صنع مستقبل الجزء المعوز من الأمة, وعلى أساس أن الفارق في مستويات المعيشة يولِّد المرارة في الجوار.

وكانت الفكرة تقضي في الأساس بأن يكون رأسمال المؤسسة 50 مليار دولار، استنادا إلى سعر نفطي معدله 50 دولارا للبرميل. وهذا العام تجاوز سعر البرميل 139 دولارا حتى كتابة هذه السطور. وما يزال القطان على فكرته وعند الرقم الأول. فالفكرة ليست مشاركة أهل النفط، كلما ارتفع السعر يرفع الرقم. وهذه الدول لها أيضا مسؤولياتها ومشاريعها. وإذ ارتفع دخل السعودية مثلا ثلاثة أضعاف أو أربعة، تضاعف عدد السكان من تسعة ملايين إلى ما يزيد على عشرين مليونا. ثم إن بعض الدول تقدم، تقليديا، وفي صورة مستمرة، كميات ضخمة من المساعدات المالية للدول الأخرى. ولا يجوز في رأيه تجاهل هذا الواقع، إنما العمل على زيادة المساهمات من الدول التي لا ترعى المشاريع التطويرية في بلدان أخرى. ويتمنى القطان فيما تضع الدول المحفظات السيادية من أجل مستقبل أبنائها، أن تأخذ في الاعتبار أن ملايين العرب محرومون من أن يكون لهم مستقبل. وثمة شيء آخر: الدول المنتجة والثرية لا تعني الخليج وحده. الخطب وحدها لا تصنع مستقبلا.