مشكلة سورية أنها لم تدفع الثمن

TT

الحديث المنشور يوم أمس في صحيفتنا مع مصدر سوري مطلع على سير المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية، مثير ومحير إلى درجة كبيرة، كما أنه مليء بالتناقضات، ويتضح من ثنايا حديث المصدر السوري رغبة دمشق الكبيرة في إعادة تفعيل علاقاتها شبه المعطلة مع واشنطن.

تناقضات السوريين تبدأ من حديث المصدر السوري حول مزارع شبعا وملكيتها، والانسحاب الإسرائيلي منها. فتصريحات المصدر توحي بأن ملكية شبعا تعود إلى السوريين، وهذا أمر ما أن يظهر إلى السطح حتى يعود ويخبو، إلا أن حديث الأميركيين عن انسحاب إسرائيلي من شبعا جعل السوريين يكسرون حاجز الصمت الآن.

وإذا كانت مزارع شبعا سورية، فإن السؤال هو: ولماذا يتحمل لبنان تبعات حزب الله وحسن نصر الله؟ لماذا لا يكون الحزب في سورية، وتتحمل دمشق تبعات حروبه طالما أنها دفاع عن الأراضي السورية، خصوصا أن شبعا، وكما قلت سابقا تعد «بلكونة» مقارنة بالجولان؟

أما إذا كانت شبعا ملكية لبنانية، فلماذا يتحدث السوريون عنها، ويرفضون الترسيم الحدودي، بل إن المصدر السوري يقول «وماذا سأستفيد»؟ في حال الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا، والسؤال هنا: أوليس ذلك تدخلا في الشأن اللبناني، وإمعانا في تعطيل لبنان، على عكس التصريحات السورية بأنهم لا يتدخلون في لبنان؟

الغريب أن السوريين يرون في حديث كوندوليزا رايس عن الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا تشويشا على المسارات التفاوضية و«استعداء الأطراف على بعض» بحسب المصدر السوري، والسؤال هنا: ألا يعتبر التفاوض السوري ـ الإسرائيلي ضربة لمفاوضات الدولة الفلسطينية، وجعل الفلسطينيين يدورون في حلقة مفرغة، على الرغم من توصل حماس وإسرائيل إلى هدنة، وهو أمر لم يكن ليتم لولا مباركة دمشق.

كما أن المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية لا يمكن وصفها إلا بطوق النجاة الذي أفلت به أولمرت من ضغوط واشنطن التي كانت تدفع للتوصل إلى إعلان الدولة الفلسطينية؟

الأمر الآخر المحير هو أن جميع حلفاء سورية، والمحسوبين عليها، في دمشق أو لبنان، يشغلوننا ليل نهار بالهجوم على أميركا، ووصف كل من يختلف معهم بأنه عميل صهيوني وأميركي.

وهذا ما يردده حزب الله الإيراني، وأعوانه، وهذا ما تقوله حماس خالد مشعل، وكذلك طهران، ويقسم العرب إلى أصدقاء لسورية، وإلا فهم عرب أميركا الخونة، في الوقت الذي تلح فيه دمشق على كافة المستويات على تنشيط العلاقات مع واشنطن، وتقول إن المفاوضات لا يمكن لها أن تسير بدون أميركا.

سورية وحزب الله وحماس يفاوضون إسرائيل، بوسيط أو بغير وسيط لا يهم، كما أن إيران تفاوض أميركا، سرا وعلنا، وبوسيط وبلا وسيط، ودمشق تتوسل أميركا العودة إلى الاتصالات الطبيعية، كل ذلك يتم تحت غطاء ماكينة صخب تخويني كبيرة في المنطقة.

المشكلة مع دمشق أنها لم تدفع يوما ثمنا لكل ما تفعله سرا وعلانية، ولم تواجه أبدا عواقب تصرفاتها، ولم تكتو بعد من النار التي يقول المصدر السوري إن دمشق تحب أن تطبخ أمورها عليها بهدوء.

[email protected]