أكاسيا وكروان

TT

على طريقة جورج قرداحي: أين يكثر شجر الأكاسيا؟ (أ) في بساتين صيدا (ب) في بساتين صور (ج) في الربع الخالي؟. أين تغرد طيور الكروان؟ (أ) في الربع الخالي؟ (ب) في روايات طه حسين (ج) في الغابة السوداء؟. أين تنعق البوم طوال الليل؟ (أ) في الريف البريطاني؟ (ب) في جبال صنين؟ (ج) في الربع الخالي؟. أين تصطاد المطوق (أ) في سهل البقاع؟ (ب) في سهول سورية؟ (ج) في الربع الخالي؟. أين تطارد القبرة؟ (أ) على اعمدة التليفون في زحلة؟ (ب) على شجر الحور في بردى؟ (ج) على أجباب الحرمل في الربع الخالي؟.

أين تكثر النسور والغربان والعقبان والبواشق والهداهد والسنونو؟ قبل أيام نشرت الصحف السعودية خبرا مثيرا حول عائلة تاهت في الربع الخالي طوال يوم ثم أنقذت. وشعرت بخوف أكثر من العائلة نفسها. كيف يكون الضياع في هذا المدى الرملي الذي سمي الربع الخالي، أي ربع الجزيرة العربية المرعب الذي كان البريطاني برترام طوماس أول من عبره؟

عدت إلى قراءة الكتاب الذي وضعه الشيخ عبد الله فيلبي، الرجل الثاني الذي عبر تلك المتاهة العظمى، والذي جعل عنوانه، بكل بساطة «الربع الخالي». ذهلت وأنا اقرأ. ليس لمدى ما هو الربع خالٍ بل لمدى ما فيه من علامات الحياة. كل الطيور التي ذكرتها أعلاه موجودة في تلك الفلاة الحارة. الضب يأكل الحشرات والبومة تغير على جحور الضب. والغزلان تسرح وتمرح كأنها في غابات الجزائر أو محميات باريس. وعندما أنهى فيلبي رحلته عاد ومعه قشور من بيض النعام الذي أصبحت له الآن مزارع في كل مكان، لعل أكبرها مزرعة عبد العزيز البابطين الذي يشتري المباني العالية في نيويورك ويزرع آلاف النخل الباسق في نجد.

لكن أهم ما عاد به فيلبي إلى الرياض كانت عينات المعادن التي عثر عليها خلال الرحلة الأسطورية وبقايا النيازك وأحجار الكوارتز والبازلت والصخور البركانية والغرانيت وأنواعا كثيرة أخرى.

عندما قابلت الدكتور أحمد زكي اليماني أول مرة كان لا يزال مدير دائرة النفط والمعادن. ولا أنسى مفاخرته يومها بأن النفط ليس سوى مصدر من مصادر الثروة في المملكة وأن عهد البحث عن المعادن الثمينة الدفينة لم يبدأ بعد. بعض الكتب يشبه الملاحم التي لا تموت. أحدها «الربع الخالي» لعبد الله فيلبي.