لجنة .. وتعذيب .. وعدوية !

TT

أتابع باهتمام وبتعجب وأحيانا كثيرة بتندر الحوار الدائر في أروقة السياسة الأمريكية، والتي «تبحث» ما إذا كان من «المسموح» أن تقدم الأجهزة الأمنية على التعذيب بحق المتهمين والمشتبه فيهم والذين هم بقبضة السلطة، وطبعا يلي ذلك الدخول في التفاصيل لشرح ومعرفة معنى «التعذيب» والأمثلة على ذلك، والتأكد ما إذا كانت المياه الساخنة والباردة وهي تنغمر على وجه السجين تعذيبا أم لا، أو أن استخدام الصواعق الكهربائية على الأجساد العارية يعتبر أيضا تعذيبا أو لا، وغير ذلك من الجدل البيزنطي العقيم.

حقيقة الأمر أنهم لو استعانوا بلجنة عربية لتقديم أصناف غير تقليدية من التعذيب (على أصوله الصحيحة) لما اضطروا للوقوع في الحرج والتنصل من مسؤولية الاعتراف بالقيام بالتعذيب. فمثل هذه اللجنة كانت ستقدم لهم اقتراحات وجيهة جدا في التعذيب. كانت ستجبر هذه اللجنة المساجين على مشاهدة الفيلم العبقري «كيف الحال» بدون توقف، كانت ستصر اللجنة على أن يستمع إلى خطب مؤتمرات حزب البعث بكل جلساته (إذا لم تصب هذه الجلسة المساجين بغيبوية عميقة فليقاضوا اللجنة وقتها)، أو تذاع على المساجين بعض حلقات الإفتاء لبعض المشايخ بوعيدهم الغاضب. كل هذه الأمثلة تقود للحديث عن حال الإصلاح المتعثر في العالم العربي وهي أشبه بمصعد معطل يحسبه الناس يصعد لأعلى بينما واقعيا هو إلى هبوط مستمر. وحال الناس مع الإصلاح تماما مثل حالهم مع المصعد، فهم إذا كانوا يرغبون في النزول يضغطون على كل الأزرار الخاصة بالصعود والهبوط (أي شيء والسلام) ويعتقدون أنه كلما زادوا ضغطا على الأزرار سيأتي المصعد بسرعة أكبر، وأن المصعد إذا لم ينزل إليهم في الوقت المناسب هناك من «يعطله» وعادة ما يكون من أعلى، وكان من هناك سر الصيحة السحر التي تحل بها مشاكل كل المصاعد القديمة «اقفل الباب ياللي فوق!».

مصعد الإصلاح في العالم العربي «معطل»، وقطع الغيار غير متوفرة، ولذلك تلجأ الناس للسلالم والمخارج الخفية، فتظهر «الجماعات الخفية السرية» التي تستغل مناخ المصعد المعطل وتقنع العامة بأن المصعد لا أمل منه وأن عليهم التسلق أو حتى الدخول والخروج من النوافذ لأن «الغاية تبرر الوسيلة»، والى أن يتم تصليح المصعد بشكل حقيقي وسوي سيبقى الساكن العربي في حالة حيرة عميقة ومشدود بين اتجاهين يدغدغه أمل ويحركه خوف ويؤنسه لسان الحال الذي يردده أحمد عدوية في أغنية قديمة تحولت لتشخيص سياسي بامتياز «حبة فوق وحبة تحت».

وحتى يحين وقت تشغيله، كلنا في انتظار تعميد الكونغرس للجنة التعذيب العربية كنوع من تصدير الملكية الفكرية!!

[email protected]