لماذا يهدد البرادعي بالاستقالة؟

TT

عندما اختير محمد البرادعي مديرا عاما وكالة الطاقة الذرية، حصل بشكل مبهر في اقتراع سري على 33 من 34 صوتا. لم يعترض أحد لأنه عربي أو مسلم، رغم أن معظم نزاعات الوكالة مرتبطة بالمنطقة، مع ايران أو باكستان او غيرها. ومع الايمان بكفاءته، إلا أنه ايضا اختيار سياسي، لطمأنة الأطراف المتشككة في نوايا المنظمة. وكفاءته لا غبار عليها فقد عمل البرادعي في الوكالة لسنين، وجاء قبلها من خلفية حقوقية، وسياسية أيضا، حيث سبق له العمل في الخارجية المصرية.

وهناك اجماع على انه في الدورتين الماضيتين في رئاسة الوكالة أبلى بلاء حسنا، حيث لم يتبن موقفا معاديا لإيران ولم يدافع عنها، بل حرص على التركيز على معالجة الخلافات الفنية بعيدا عن الجدل السياسي.

شهر البرادعي استقالته عندما شعر بأن الكماشة تطبق على النزاع النووي الايراني، وصار الصدام اكثر احتمالا، وبالتالي لا معنى لوظيفته اذا تسلم العسكر الملف النووي، خاصة وقد بقي له عام واحد فقط في وظيفته، وبالتالي ليس مستعدا ان يلطخ سمعته وميدالية نوبل للسلام بأن يكون غطاء لعمل عسكري محتمل، فهو سيلام من قبل الطرفين على حد سواء.

وقد سبق للبرادعي ان شكك في نوايا ايران، وتحدث عن قيامها بالتحايل على الوكالة، وحديثا جدا قال انه يأسف لأن وكالته فشلت في كشف كامل خفايا برنامج إيران النووي. وكرر مرارا مطالبة الايرانيين بالشفافية، موضحا ان إيران ربما تخفي معلومات اساسية عن نشاطها التسلحي.

ومن الطبيعي ان يحتج البرادعي على استخدام القوة لوقف البرنامج الايراني، لأنها تتعارض مع منهج الوكالة التي تقوم على التفتيش وبرنامج رقابي دائم.

ونحن الآن نرى تفعيلا حقيقيا لمبدأ الجزرة والعصا. فقد منحت المجموعة الغربية تنازلات جديدة ومهمة لايران، لقاء توقفها عن التخصيب، بما في ذلك مساعدات اقتصادية ودفع بعض ثمن مشروعها النووي السلمي. أما العصا فنراها في المناورات الاسرائيلية التي تمرنت على قصف اهداف مماثلة، معلنة انها مستعدة لإنهاء الجدل حول المفاعلات النووية بتدميرها.

البرادعي يطالع المباراة الاميركية الايرانية في دقائقها الأخيرة، ونحن معه نراقبها بشعور مختلط. ايران تبني أسلحة نووية ستستهدفنا بها إن لم يكن بالضرب فعلى الأقل بالمساومة، اكثر مما تنوي بها اسرائيل، التي تملك القدرة على محو كل ايران من الوجود، بنفس السلاح. وفي نفس الوقت لا نريد حربا جديدة سيدفع ثمنها المدنيون على جبهات عدة، والحرب ستفتح جبهات لن يسهل غلقها مستقبلا. لكن من الواضح ان منع ايران من التسلح النووي هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل، تؤيدها اوروبا التي تعتبر نفسها اصبحت هدفا بسبب امتلاك ايران قدرات اطلاق بعيدة. وتراها الولايات المتحدة خطرا على منابع النفط. اما عرب الخليج فيريدون كذلك منع ايران لأنهم واثقون بأنها ستستهدفهم قبل اسرائيل.

[email protected]