الحمق يحط على المريخ

TT

نحن نعرف أنانية بعض الشعراء وغرورهم وحماقاتهم. ولكن ننسى أن العلماء لا يقلون عن هؤلاء الشعراء في هذا المجال. شغلوا الناس في القرون الوسطى وبددوا أموالهم بحثا عن حجر الفلاسفة الذي يحول التراب إلى ذهب. والآن راحوا يشغلوننا في البحث عن الحياة في المريخ. ما زالت أمهات الصحف والمجلات تكتب وتصور هذا الفتح الجبار عن إنزال آلة تصوير على المريخ تنقل لنا ما عليه من آثار. إنه بدون شك فتح تكنولوجي مهيب. ولكن ماذا وراءه؟ يعرف العلماء أنه لا يوجد أحياء على هذا الكوكب لتبعث إليهم الـ«سي آي إيه» وكلاءها ليحققوا معهم فيما إذا كان بينهم متطرفون إرهابيون. ما يبحثون عنه هو هل كانت هناك حياة قبل ملايين السنين على هذا الكوكب وانقرضت؟ ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لنا؟ وما هي جدواه؟

تزامن هذا الفتح التكنولوجي مع هلاك آلاف الناس في الصين وبورما نتيجة العواصف والزلازل وموت مئات الآلاف من الأطفال في العالم الثالث نتيجة الجوع والمرض، وتدفق المظاهرات والإضرابات في شتى أنحاء العالم احتجاجا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغياب الخبز من الأسواق. وماذا عن كل هذه الأمراض التي تعصف بحياتنا وتنغص عيشنا وتفرقنا عن أحبائنا؟ راح العلماء الأمريكان يبحثون فيما إذا كانت هناك على بعد ملايين الأميال مكروبات أو طفيليات على وجه المريخ قبل بلايين السنين. أستطيع أن أدلهم على مكروبات وطفيليات لا تبعد عنهم غير أميال قليلة، وربما في الشارع المجاور. وأكثر من ذلك أنها ما زالت حية، بل وتنشب أظفارها (إذا كان للمكروبات أظافر مثل أظافر ساستنا) بأحشاء وأطراف ملايين الناس وتنخر عظامهم وتثير صراخهم وتودي بهم إلى قبورهم.

قبل بضع سنوات، دعا الرئيس ديغول سائر الدول إلى تخصيص جزء صغير من ميزانياتها العسكرية لإنفاقه على دحر مرض السرطان بالتوصل إلى علاج حاسم له. استسخف القوم اقتراحه وسخروا منه. مشكلة السرطان والإيدز وكل هذه الأمراض المريعة هي أننا لا نخصص لها من الميزانية ما نخصصه لتطوير المدافع والدبابات. ومع ذلك فللمدافع والدبابات وظيفتهــا ولكنني لا أجد أي منفعة قط لأي إنسان على هذه الأرض من معرفة وجود أو عدم وجود أحياء على المريخ أو القمر أو بلوتو قبل بلايين الأعوام.

بالطبع لها من يبررها ويدافع عنهـــا. يقولون إن ما انطوت عليه من تقدم تكنولوجي سينفع البشر في مجالات عملية. ربما يقصدون أننا سنستطيع مثلا تشغيل التلفزيون ونحن غارقون في النوم أو غلقه بالبصق عليه. فضلا عن ذلك، ستستطيع الدولة القائمة بذلك الإنجاز الفضائي أن تضاعف هيبتها وتستعرض قدراتها أمام الشعوب. ولكن أفلا يكون من الأهيب والأعجب والأنفع أن يحققوا مثل هذه الإنجازات في دحر الأمراض وتطوير الغذاء؟