إنما هو جهل بضاعتنا (1 - 4)

TT

ليس نفاقاً ولا تضليلاً ولا خداعاً، وإنما هو جهل بمهنة الصحافة، فنحن نلجأ إلى حيل مشروعة. مثلاً: عندما نكتب رسائل القراء نهاجم الكتاب وأحياناً بخشونة. والغرض من ذلك اننا نستدرج القراء إلى أن يشتمونا ويظلمونا لكي نشهد بالعدل. وكذلك كنا نكتب أبواب البخت أو حظك من السماء، أو النجوم تقول لك. ونحن نعرف مقدماً اننا لا نخدع القراء ولا نكذب عليهم. وإنما هي حيلة في صناعة التفاؤل. فمن العادة أن يقرأ كل واحد منا الكوكب الذي يخصه. ولا يقرأ الأبراج الأخرى. ولو قرأ أي إنسان كل الأبراج لوجدها تسقى من ماء واحد. والماء الواحد هو التفاؤل. ولم يحدث أن قالت المجلة أو الصحيفة: إن هذه معلومات فكلية دقيقة.. ولا هي أسعار البورصة. وإنما هي حيلة من الحيل لكي نخلق جسوراً ونفتح نوافذ بيننا وبين القراء. ومن التعليقات السخيفة الخشنة أن يقال إن هذا الذي نفعله هو تضليل القارئ.. فأنا إذا رأيتك ورحبت بك وقلت: يانهار أبيض زارنا النبي، الدنيا نورت، وأنت تعلم وأنا أعلم أنه لا النبي زارنا ولا الدنيا نورت ولا سعادتي غامرة لمجرد أنني رأيتك ولكنه «زي اجتماعي» أواجهك به، وتستطيع أن تتأكد بما يفعله لك الجرسون في المطعم، وكيف يلقاك ويرحب بك.

وأذكر أننا كنا نحن الثلاثة في لبنان: إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وأنا، وقد رحب بنا صاحب المطعم بحفاوة بالغة هو وزوجته وأولاده. وأسعدنا ذلك. إذن هم يعرفوننا ثم طلبوا منا أن نوقع بأسمائنا في «دفتر الزيارة» وشاءت الصدفة أن نمر على المطعم في عودتنا إلى بيروت. وكانت الحفاوة أكبر ورفض صاحب المطعم أن يتقاضى ليرة واحدة. وسألناه فقال إنه لم يكن يعرفنا فلما عرفنا رفض أن يأخذ منا ليرة واحدة. معنى ذلك أن الحفاوة البالغة لم تكن لأنه يعرفنا، وإنما هي مجاملة هي «زي اجتماعي» يرتديه لكل الزبائن.. وليس منافقاً ولا مضللاً ولا كاذباً..