لماذا نطفو على نشرات الأخبار؟!

TT

تلفزيون المقهى يعرض نشرة عالمية للأخبار:

فلسطين: صراع بين قابيل وهابيل.

العراق: دجلة تحارب الفرات.

بيروت: صمت صوت فيروز وغنى البارود.

السودان: لم يعد الشمال شمالا للجنوب، ولا الجنوب جنوبا للشمال..

والقراصنة اختطفوا الصومال..

إلى آخر القائمة الملغومة من أخبارنا العربية غير الميمونة..

وتسكب في دواخلك السؤال:

ـ لماذا نطفو وحدنا على سطح الأحداث؟

تتذكر ما يقوله المتفائلون: «إنها جلبة الخروج من عنق الزجاجة» فتبتسم، ويتداعى إلى ذهنك ما يردده المتشائمون جُلاد الذات بأنها «حشرجة الموت»، فيداهمك البكاء.. وتحك صلعتك جهارا نهارا، وتؤثر أن تكون «متشائلا» في منطقة وسطية، لكن لا تتركك الأحداث في موقعك، فتدفعك كبندول ساعة مجنونة متأرجحا بين النقيضين:

«يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا

كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا»

تحاور سائحا يابانيا فظا يشاركك الطاولة، فينثر في وجهك رذاذ الكلام:

ـ «إن مفتاح تقدم اليابانيين انشغالهم بتصنيع السيارات والإلكترونيات بدلا من اختراع الأعداء، أما أنتم العرب فتكتفون باستيراد المنتجات اليابانية لتتفرغوا لصناعة الأعداء»..

تتمنى لو استوقفته قليلا لتشرح له كيف غدونا الضحية، فينظر إلى ساعته السويسرية، ثم يدير لك ظهرا عريضا، ويمضي، وتلفزيون المقهى يمطر الزبائن بنشيد عتيق ضمن مسلسل حديث:

«يا أهلا بالمعارك

يا بخت مين يشارك

بنارها نستبارك

ونطلع منصورين».

قارئة كف لها وجه شحاذ تعرض خدماتها على الزبائن:

ـ سأذكر لك أسماء أعدائك بعشرة آلاف ليرة..

ـ ولكنني أريد أسماء الذين يحبونني ولو بمائة ألف.

ترمقني بنظرة غاضبة وتمضي لكف زبون آخر..

بائع الصحف يطل بوجهه من بوابة المقهى، تبتاع الحسناء التي تجلس بالقرب مني جريدة، تقلب صفحاتها، تهرب من أخبار الحرب إلى عناوين الحب، وتغرس عيونها في مشتل قصيدة لنزار:

«حين أكون عاشقا

شاه الفرس من رعيتي

وأخضع الصين لصولجاني

...... .... ....

حين أكون عاشقا

تتفجر المياه من أصابعي

وينبت العشب على لساني».

[email protected]