النازيون الجدد ما زالوا يعيشون بيننا.. ولن يقبلهم بلد آخر

TT

لقد تم رفض الاستئناف الأخير لتجنب إبعاد جون ديميانيوك من قبل المحكمة الأميركية العليا يوم 19 مايو الماضي. وتم تجريد المتهم الذي يبلغ من العمر 88 عاما (كان يعمل حارسا لمعسكر اعتقال نازي) من جنسيته وتم إصدار أمر بترحيله إلى أوكرانيا موطنه الأصلي، أو بولندا حيث قام بجرائمه، أو ألمانيا وريثة النظام النازي الذي كان يقوم بالخدمة العسكرية تحت رايته.

ومع ذلك فإنه لا يزال يعيش في الولايات المتحدة. لماذا؟ لا يمكن ترحيله إلا إذا وافقت دولة أخرى على قبوله. وحتى الوقت الحالي، فإنه ما يزال طليقا.

وفي هذا الإطار، فإن ديميانيوك ليس وحيدا. فهناك خمسة آخرون من مجرمي الحرب النازية قامت وزارة العدل باتخاذ إجراءات الإبعاد بحقهم لكن لم ترغب دولة أخرى في قبولهم. وهؤلاء هم جوان ليبريتش، روماني المولد، والذي تم الانتهاء من إجراءات إبعاده عام 2006، وجاكيف باليج الذي ولد في منطقة ببولندا، وهي الآن تابعة لأوكرانيا، وكان يعمل حارسا في معسكر عمال في بولندا (حيث قتل 6000 سجين في يوم واحد عام 1943) وتم الانتهاء من إجراءات إبعاده في يناير 2006. وميكولا واسيليك الذي رفض التماسه الأخير عام 2004.

وتيودور زينسكي الذي ولد في جزء من بولندا يتبع أوكرانيا في وقتنا الحاضر، وتم الانتهاء من إجراءات ترحيله في مارس 2006.

وأخيرا، فإن هناك أنطون تيجانغ الذي ولد في منطقة بيوغوسلافيا التي تتبع الآن كرواتيا.

وإذا خشي أي من هؤلاء المجرمين من أن الإبعاد سوف يكون فوريا، فربما يشعرون بالراحة لحقيقة أن المحكمة العليا رفضت الالتماس الأخير لتيجانغ منذ مدة طويلة في عام 2000. وهو ما يزال يعيش طليقا في الولايات المتحدة الأميركية إلى وقتنا الحالي. وبالإضافة إلى ذلك، ففي السنوات القليلة الماضية، مات أربعة من زملائهم النازيين قبل أن يتم إبعادهم.

وفي كل هذه الحالات، فإن البلاد الأصلية لهؤلاء مثل أوكرانيا ورومانيا وبولندا وكرواتيا والبلاد التي شهدت الجرائم التي ارتكبوها مثل أستراليا وبولندا بالإضافة إلى ألمانيا، قد تم الاتصال بها من قبل وزارة العدل ولكن لم تبد أي دولة منها الرغبة في استقبالهم.

وليس هناك قانون محلي أو دولي يلزم هذه الدول الأجنبية بقبول هؤلاء النازيين السابقين، أو تبرير عدم قبولها لهم. ومع ذلك، فإن مبرراتهم يمكن أن تكون واضحة وهي أن هذه الدول لا ترغب في إثقال كاهلها بهؤلاء الأفراد كبيري السن وعدم الرغبة في إنفاق الأموال على التحقيقات والمحاكمات والخوف من عناصر النازيين الجدد الذين يمكن أن يثيرهم إعادة فتح ملفات هؤلاء المجرمين. لكن ذلك لا ينفي مسؤولية هذه الدولة الأخلاقية تجاه استقبال أو محاكمة هؤلاء المجرمين النازيين. ففي أي مجتمع يتم إطلاق سراح المجرمين؟ وأي دولة يمكن أن تنسى جرائم الحقبة النازية؟

وربما تجادل دول مثل بولندا وأوكرانيا ورومانيا بأنها كانت تقع تحت الحكم النازي في ذلك الوقت. لكن ألمانيا ليس لديها هذا المبرر. وعلى الرغم من أن ألمانيا قد قامت بمحاكمة العديد من الألمان ذوي الأصول الألمانية بسبب جرائمهم في حقبة الحرب العالمية الثانية، فإنها لم تبد حماسا لعمل ذلك مع هؤلاء أيضا. كما أن ألمانيا ليس لديها استعداد لمحاكمة غير الألمان مثل ديميانيوك الذي خدم النازيين في البلاد التي احتلوها.

وبغض النظر عن أي دوافع أخلاقية لدى هذه الدول لإبعاد المجرمين النازيين، فليس هناك أي دوافع قانونية حتى الوقت الحاضر، وربما يتغير ذلك الوضع. ففي يوم 12 مايو، قدّم السيناتور غوردن سميث قانون محاسبة مجرمي الحرب العالمية الثانية لعام 2008، والذي يمكن أن يتطلب من الولايات المتحدة تقييم تعاون الدول الأجنبية في عملية تسليم أو محاكمة المجرمين النازيين الذين ترغب الولايات المتحدة في إبعادهم. ومن شأن مدى التعاون في هذا المجال أن يؤثر على تأشيرات رجال الأعمال والمسافرين والسياح من هذه الدول داخل الولايات المتحدة.

وبعد أكثر من 50 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، يمكن أن نتساءل: لماذا نعتني بذلك الأمر؟ ما هي الفائدة التي تعود علينا من جراء بذل الجهد والوقت والمال لمحاكمة هؤلاء الرجال كبار السن؟ لماذا لا نتغاضى عنهم؟ ماذا عن التسامح معهم؟.

إن العفو أو تخفيف العقوبة يمكن أن يكونا مبررين مع أولئك الذين يرغبون في الاعتراف بجرائمهم إبان الحقبة النازية. لكن حتى هذه اللحظة، لم يصدر أي اعتراف من جانب أي من هؤلاء.

وإذا لم توافق أي دولة على قبول هؤلاء المجرمين قبل موتهم، فعلى أقل تقدير، لن يتركوا هذه الدنيا كأبرياء. وربما لا يكون ذلك قدرا كافيا من العدالة ولكنه يشعرنا ببعض الراحة.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

خاص بـ «الشرق الأوسط»