مزخرف حدائق

TT

أرجو أن يقرأ السياسيون العرب (وعظماء الصحافة)، كتاب رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور، «قصة حياتي»، قبل أن يهمّوا بكتابة قصة حياتهم. إنها تشبه «اعترافات» جان جاك روسو، أحد عمالقة الفكر الفرنسي، أو أولئك الزعماء الغربيين الذين بدأوا الحياة أيتاما وفقراء ولقطاء. كنا جميعا نعرف أن والد ميجور كان بهلوانا في سيرك، تعلم المهنة في الشوارع. لكن البهلوان كان أيضا زير نساء، يترك ولدا أو ابنة غير شرعية في كل مكان. تقريبا. ولم يدر ميجور بإحدى أخواته إلا بعدما أصبح رئيسا للوزراء، فيما كانت هي تعرف دائما أن وزير الخارجية، وثم المالية، هو أخوها. وقد اتصلت به عندما أصبح في 10 داوننغ ستريت، وقالت له: «جون، الآن وقد أصبحت رئيسا للوزراء، أنت في حاجة إلى مشورتي. أنا أملك فراسة شديدة في الناس». ويقول ميجور إنها لم تخطئ في نصيحة واحدة.

كان الأب ينقل عائلته من منزل إلى آخر، هاربا من الديون. وعندما راجت السينما في القرن الماضي انقرضت مهنة العمل في السيرك، فتحول الرجل إلى مزخرف حدائق. وعندما اشتد به المرض، أخذ عنه ابناه، تيري وجون، هذا العمل. وبقي رئيس الوزراء المقبل لفترة طويلة يقلّم الشجر ويسقي الزهور ويعود إلى منزل ضيق حيث ينام أخوه في المرآب.

ذهب إلى نيجيريا للعمل في فرع لمصرف بريطاني هناك، غير أنه ما لبث بعد فترة قصيرة ليلقي الخطب وينشط في صفوف حزب المحافظين، وفاز بأول مقعد بلدي في ضاحية لامبث وهو لا يملك عنوانا ثابتا. تعرف إلى مارغريت ثاتشر عام 1975. وعام 1979، انتخب نائبا ولم يكن يدري أنه سيصبح ذات يوم وزيرا في حكوماتها، ثم خلفا لها. لكن القدَر أوصل إلى داوننغ ستريت، على التوالي، ابنة بقال ثم ابن بهلوان. ليس عن حزب العمال، بل عن حزب المحافظين والأرستقراطية والثراء البريطاني.

انخرط بسام، نجل زميلنا حافظ محفوظ مدير تحرير «الحوادث» في حزب المحافظين عن منطقة هارو، وقطع شوطا بعيدا في الطريق إلى خوض الانتخابات البرلمانية. وأتمنى أن يأتي يوم يحتل فيه بسام مقعد جون ميجور أو حتى مجموع مقاعده. ثم أن يكتب ذات يوم سيرته وحكاية عائلة ورعة جاءت إلى هارو من منطقة الأخلاق والكد في لبنان.