خدام: إيران مزقت المسلمين بالانقسام المذهبي (3/3)

TT

في الحلقة الأخيرة من أحاديثي مع عبد الحليم خدام، يكشف النائب الأسبق للرئيس السوري عن أسرار علاقة النظام مع الشيعة وإيران. يقول ان الأسد تلقى رسالة من الخميني يطلب فيها اللجوء إلى سورية، بدلا من الإقامة في فرنسا.

جاءت الرسالة خلال محادثات الوحدة مع عراق صدام. أطلع الأسد صدام على الرسالة. عارض صدام بشدة إقامة الخميني. (أتدخل هنا لأقول ان صدام كان على حق. يبدو واضحا ان غرض الخميني كان عرقلة الوحدة بين العرب).

لكن الأسد لم يهمل الرسالة. راح يبحث عن مأوى للخميني بعد الرفض العراقي. وكان الأسد يعتقد ان الوحدة أهم من الخميني. يقول خدام: فكرنا في إيوائه في الجزائر. ذهبت إلى بوتفليقة (كان وزيرا للخارجية آنذاك) عرضت عليه الفكرة. قال لا بد من عرضها على بومدين. طرت إلى موسكو لمقابلة الرئيس الجزائري الذي كان يتعالج هناك. صُدمت. أُبلغت ان بومدين دخل في غيبوبة. يعتقد خدام ان بومدين مات مسموما بمرض نادر في العالم سبق ان قتل وديع حداد (أحد زعماء القوميين العرب).

جاء الحل بعودة الخميني إلى وطنه بعد نجاح ثورته. لكن علاقة النظام السوري بالشيعة بدأت في الواقع باكرا.

نسج الأسد خيوطا وثيقة مع موسى الصدر الزعيم الروحي لشيعة لبنان. وكان الصدر مقربا من الخميني.

يصف خدام العلاقة الإيرانية/ السورية بـ«مصالح متبادلة» في زمن الأسد الأب. ثم تحولت في عهد بشار إلى «ارتباط» سوري بإيران. يحدد خدام أهداف إيران في المنطقة بإقامة «دولة إيرانية عظمى تمسك بالعالم العربي والإسلامي، من خلال تبني قضايا عربية أساسية. كالقضية الفلسطينية، وتحويل حماس من طاقة شعبية إلى قوة سياسية موالية لإيران».

يستدرك خدام فيضيف ان اندفاع خامنه ئي و«زلمته» نجاد في هذا المخطط أدى إلى انقسام مذهبي بين السنة والشيعة، الأمر الذي تأخذه القيادة السعودية على إيران. السعودية تتمسك بمبدأ «عدم التدخل». هي قلقة على لبنان. «لا تساوم على قضية تقديم قتلة الحريري إلى المحكمة الدولية».

ينتقل خدام إلى الحديث عن اشكالية التوريث. قال ان هاجس الأسد كان توريث شقيقه الأصغر رفعت منصب الرئاسة. خدام عارض الفكرة بشدة.

ثم أقلع حافظ عن الفكرة تماما عندما كاد رفعت يتسبب، خلال مرض الرئيس في الثمانينات، بمواجهة عسكرية خطيرة. عندما دخل الأسد في غيبوبة، ظن كثير من الحزبيين والمسؤولين ان الرئيس لا محالة مشرف على الموت، فنافقوا وداهنوا «نائب القائد» رفعت.

يمضي خدام في الرواية: عندما أفاق حافظ من غيبوبته، وتعافى بعد فترة النقاهة، وجد الحل في تفكيك ميليشيا رفعت (سرايا الدفاع) وإقصائه منها بتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية. رفض خدام أن يتقدم عليه رفعت. أصر ان يكون هو النائب الأول للشؤون الخارجية، وهكذا كان.

من هنا، انتقل هاجس التوريث عند الأسد من الشقيق إلى الأبناء. راح يعد نجله باسل للمهمة على الرغم من الإنكار. عندما توفي باسل، قطع الأب دراسة نجله الآخر بشار كطبيب عيون. راح يعدّه للوراثة. «لم نكن نعرف شيئاً عن بشار». كان بعيدا عن السياسة منهمكا في دراسته. عندما شعر بشار باقتراب نهاية أبيه، راح يحدثنا عن طموحه إلى نظام منفتح. «خيب بشار آمالنا بعد الوراثة».

عن انطباعاته الشخصية عن أركان النظام، يقول خدام ان هاجس حافظ الأسد الأول كان أمن النظام. كان يقضي 80 بالمائة من وقته فيه. كان يتدخل حتى في نقل معتقل من زنزانة إلى زنزانة. عندما اشتدت وطأة الأحداث عليه في الثمانينات أصيب بإغماءة. الأطباء السوفيت قدروا ان الإصابة أزمة قلبية. الأطباء السوريون قالوا انها وهن في عضلة القلب وليست نوبة. كان الأسد يعاني من السكر وتضخم البروستات. كان وضعه الصحي عموما محاطا بسرية تامة.

لم يَبْدُ خدام لي منطويا على حقد شخصي. هو يعتبر الأسد وطنيا «لا غبار على سياسته الخارجية»، وإن كان طائفيا في عمقه الذاتي. رفعت؟ خدام يكتفي بالقول ان رفعت كان ضد الوحدة مع العراق، وضد الحلف مع إيران. فاروق الشرع؟ يجيب خدام بأن الشرع عصبي. انفعالي. محدود الأفق. وليد المعلم؟ آه. كان مديرا لمكتبي. ديبلوماسي كفء. هادئ. أوسع علما وأعمق أفقا وتفكيرا من الشرع. العماد حكمت الشهابي؟ رجل سلم أكثر مما هو رجل حرب. خلال 24 سنة كرئيس للأركان، لم يقم الشهابي بجولة تفقدية واحدة على قطعات الجيش. عندما أعلن خدام انفصاله عن النظام، أرسل الشهابي برقية الى بشار يؤكد ولاءه للنظام. الشهابي (موجود في الخارج) يملك مصالح مادية كبيرة في سورية. هل انتحر عبد الكريم الجندي (جلاّد سورية المخابراتي في عهد صلاح جديد) أم نُحر؟ لا. انتحر. سمعت طلقة الرصاص التي وضعها في رأسه وهو جالس في مكتبه وأنا بجانب العقيد علي ظاظا معاون الجندي. كان الجندي يتحدث هائجا محتجا على اعتقال أعوانه قبيل انقلاب الأسد (1970).

وبعد، عزيزي القارئ، قد تسألني رأيي في عبد الحليم خدام. سبق أن قلت إن الرجل شاهد على التاريخ ومشارك في صنعه. أضيف: ربما كان عليه أن ينسحب من النظام باكرا. لا أحسب ان له قاعدة شعبية وحزبية منظمة يعتمد عليها في الداخل. حلفاؤه الاخوان المسلمون (يدافع عنهم بحرارة) لن يبقوا مخلصين له في حالة حدوث تغيير في سورية. هم أكثر تنظيما، لن يقبلوا بليبراليته. يقول انهم تطوروا. لن يفرضوا نظاما دينيا في بلد كسورية متعدد الأديان والمذاهب. الإشكالية في رأيي ان الاخوان، كعادتهم، قادرون على ابتزاز الدين للتدخل ضد الحريات الاجتماعية والثقافية.

خدام يتأهب لإطلاق فضائيته التلفزيونية. يريد تكريسها فقط ضد النظام في سورية. تمنيت عليه أن يتوجه بها الى العرب جميعا، وليس قصرها فقط على السوريين. أيضا، آمل أن يكرس خدام وقته في المنفى للاقتراب من المثقفين العرب والسوريين. اقترح عقد ندوات أسبوعية للمثقفين في دارته الجميلة. يشرح يسمع، يحاور. ما رأي خدام في جائزة مالية سنوية يقدمها إلى أفضل كتاب عربي أو مترجم عن الحرية السياسية والاجتماعية والثقافية في عالم عربي شديد العتمة والجمود؟