أخطاء ماكين في قضية الإرهاب

TT

لا أحد يريد أن يكون أول مرشح يستدعي أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كإحدى الوسائل المستخدمة في الحملة الانتخابية. لذلك لجأت حملة جون ماكين إلى حل مبدع هذا الأسبوع: استحضار تاريخ العاشر من سبتمبر.

العاشر من سبتمبر؟ نعم. فقد قال مستشار ماكين للسياسة الخارجية راندي شونمان للصحافيين يوم الثلاثاء الماضي إن أوباما يفكر بـ«عقلية العاشر من سبتمبر». وكانت الفكرة، كما شرحها شونمان لمن لم يستوعب الإهانة الضمنية، هي أن أوباما «الساذج» ما زال لا يعي شيئا عن الإرهاب. ولكن ما هو الجرم الذي ارتكبه أوباما؟ لقد أشاد بقرار المحكمة الأميركية العليا يوم 12 يونيو (حزيران) الحالي، الذي يعطي الحق لسجناء غوانتانامو، المعتقلين منذ عدة أعوام بدون توجيه تهم إليهم أو محاكمتهم، بمطالبة المحاكم الفيدرالية بالنظر في استمرار اعتقالهم.

وانتهز رجال ماكين الفرصة بسرعة قائلين: إن أوباما يعتقد أن المحاكم هي الوسيلة التي ستحافظ على أمن أميركا! وإنه «يتجاهل أننا نخوض حربا ضد الإرهاب»، هكذا قال مدير الاستخبارات المركزية السابق جايمس وولسي. بل وأشارت حملة ماكين إلى ما قاله رودي جولياني عن أوباما من أنه «يعطي اهتماما أكبر لحقوق الإرهابيين.. من حقوق الشعب الأميركي في الأمن والأمان».

فهل يفكر أوباما بعقلية «العاشر من سبتمبر»، أيا كان معناها؟ لا.

ما فعله أوباما هو التأكيد على أمر شديد الوضوح: لو كانت إدارة بوش قد أحالت الإرهابيين المقبوض عليهم إلى المحاكم الفيدرالية، بدلا من محاولة إخضاعهم لنظام المجالس العسكرية المليء بالأخطاء، لحوكم هؤلاء الإرهابيون الآن، وأدينوا من خلال إجراءات عادلة تحظى بقبول حول العالم. وتعكس وجهة نظر أوباما رأيا صائبا. فإن محاكمنا الفيدرالية تقيم العدالة منذ أكثر من 200 عام، وقد حاكمت كبار زعماء المافيا التي كانت تسيطر على مدن أميركية كاملة، وكبار تجار المخدرات، ونازيين، وجواسيس، ومدبري تفجير مدينة أوكلاهوما. كما أن المحاكم الأميركية لديها إجراءات خاصة لتتعامل مع الأدلة الحساسة المتعلقة بالأمن القومي، وقد نجحت بالفعل في محاكمة الإرهابين المنتمين لـ«القاعدة»، ومن بينهم ريتشارد ريد الذي خبأ متفجرات في حذائه لنسف إحدى الطائرات، ومخطط أحداث الحادي عشر من سبتمبر زكريا موسوي. وقد نال هذان الرجلان جزاءهما في المحكمة، وهما الآن محبوسان في أحد السجون الأميركية ذات الحراسة المشددة.

وفوق كل ذلك أصبح العالم يعتبرهما سفاحين مصابين بجنون العظمة ـ وليس النموذج الذي يسعى آخرون إلى الاقتداء به. وعلى النقيض، يظل خالد شيخ محمد ورفاقه في غوانتانامو بدون محاكمة، يتباهون بأنهم «مناضلون» ضد الولايات المتحدة المتجبرة، وكما قال أوباما، «أدى ذلك إلى زيادة تجنيد الإرهابيين في الدول التي يسود فيها مقولة: «انظروا كيف تتعامل الولايات المتحدة مع المسلمين».

أما بالنسبة للقائمين على حملة ماكين، فهم يرون أن ملاحظات أوباما تشير إلى اعتقاده في إمكانية التصدي للإرهاب عبر القانون الجنائي وحده. ولكنهم في الوقت نفسه ينتقدونه لرغبته في استخدام القوة العسكرية لإلقاء القبض على الإرهابيين أو قتلهم.

فعلى سيبل المثال، في أغسطس (آب) عام 2007، قال أوباما: «هناك إرهابيون مختبئون في جبال باكستان، وقد قتلوا 3,000 أميركي. وهم يخططون للهجوم علينا مجددا.. فإذا توافرت لدينا معلومات استخباراتية عن مواقع اختباء كبار قادتهم، ولم تتخذ (الحكومة الباكستانية) الإجراء المناسب، فسوف نتحرك نحن». ومنذ ذلك الحين، أخذ ماكين هذه الجملة بعيدا عن السياق وهاجم أوباما لـ«اقتراحه بأن نغزو حليفتنا باكستان».

إن الخلاف حول كون الإرهاب جريمة أو كونه حربا أمر شديد السخف. يعرف معظم الأميركيين أن «الإرهاب» له أشكال عديدة، وأننا يجب أن نكون أكثر مرونة في ردود أفعالنا. لذلك تبدو الدعاوى القضائية في المحاكم الفيدرالية منطقية عندما نتحدث عن مشتبه بهم بعيدا عن ساحات الحرب. وتبدو القوة العسكرية منطقية عندما تواجه القوات الأميركية المقاتلين في أفغانستان أو العراق.

وها هو أكثر جانب مؤسف في خلاف هذا الأسبوع. فمنذ زمن ليس بطويل، قبل أن يقرر ماكين أن اختياره كمرشح الحزب الجمهوري، يتطلب منه أن يتودد إلى أشد متطرفي الحزب وأن يستخدم أحداث سبتمبر في لعبة سياسية، كان ماكين هو بطل الأحكام الصائبة والأسلوب المعتمد على القيم في تناول قضية الإرهاب.

فكان ماكين هو الذي رفض إقرار التعذيب. وكان هو الذي قال إن معتقلي غوانتانامو «لديهم حقوق بمقتضى إعلان حقوق الإنسان، وأحدها هو عدم الاعتقال لمدة غير محددة». وكان ماكين هو الذي أيد نقل معتقلي غوانتانامو إلى فورت ليفينوورث في ولاية كنساس، حيث يطبق عليهم قانون المحاكم الفيدرالية. وكان هو الذي أكد على احترامنا للحقوق الأساسية حتى للأعداء الذي «لا يستحقون تعاطفنا»، لأن الأمر «لا يتعلق بمن يكونون، بل بمن نكون».

والسؤال لجون ماكين، من تكون الآن؟

* أستاذة في مركز القانون بجامعة جورجتاون الأميركية

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)