.. إنهم الأتراك يا عزيزي

TT

الداخل التركي يحتاج حقا الى مثل هذه الانتصارات لينسى همومه السياسية بعض الشيء. 15 دقيقة كانت كافية لحمل الأتراك الى التصفيات ربع النهائية في بطولات أوروبا لكرة القدم ونصف دقيقة لإعادتهم الى قلب المعادلة الكروية الأوروبية ولتحقيق حلمهم بالمضي في المنازلة على طريق الوصول الى التصفيات نصف النهائية.

مدرب المنتخب التشيكي يقول معلقا مع انتهاء المباريات: في الدقائق الأخيرة تبدل الموقف تماما، نحن الذين بدأنا نرتكب الأخطاء فيما يصر الأتراك على المقاومة والهجوم. من الصعب فهم ما جرى، يبدو ان هذه المباريات ستحرمني من النوم لأسابيع طويلة. فريق يأتي متخلفا بهدفين، مطر غزير يعيق حركته في ارض الملعب، بطاقات صفراء وحمراء تطارده من كل صوب، لاعبون مرهقون ومتضررون، ومع ذلك فهو يستفيق مع هدف الكرامة الذي سجله نجمه، اردا توران، ثم أتبعه نهاد قهوجي بهدف الأمل ليعود ويسجل بنفسه هدف الفوز ـ المعجزة وسط صدمة آلاف التشيكيين الذين كانوا يستعدون للقول للأتراك «خيرها بغيرها» فكان الرد باكرا «تكبروا وتنسوا». مرض نفساني جديد يتعرف اليه العالم اسمه «عقدة الـ15 دقيقة» اكتشفه الأتراك وكان المنتخب التشيكي هو أول المصابين به.

معجزة الكرة التركية كانت مرة ثانية في مباراتهم مع الكروات حيث أجبروا الجميع على إعادة خلط الأوراق. التعادل صفر – صفر في الوقت الأساسي. الوقت الإضافي الأول ثم الدقيقة 119 من الوقت الإضافي الثاني ويسجل الكروات هدفهم قبل دقيقة واحدة من انتهاء المباريات فيبدأ المشجعون الأتراك في مغادرة المدرجات بحزن وألم، نصف دقيقة وينتهي الحلم. لكن رجب طيب أردوغان يقفز فجأة من مكانه غير عابئ بالبروتوكول والمجاملات ومراعاة شعور الآخرين ليصرخ بأعلى صوته «غول.. غول» وكأنها فرحة لا تقل قيمة وينتظرها بفارغ من الصبر من المحكمة الدستورية لتقول لا لحظر العدالة. وكانت المشيئة الإلهية ضربات الجزاء، فيرتجف الكروات أمام الحدث، يفشلون في تسديد 3 ضربات والمدرب الكرواتي يوجز لنا ما حصل «شيء ما جرى لا أعرف ما هو ولا يمكنني وصفه».

إذا ما اختلطت عليكم المسائل ووجدتم مبالغة في ما نقول فإننا نحيلكم على «تيك إت ايزي.. إنهم الأتراك يا عزيزي» وكبار المعلقين الرياضيين العرب الذين يتابعون عن قرب هذه المباريات وكلماتهم تعصف في الشارع التركي الذي سارع الى ترجمة ما يقال ويكتشف أنها من أجمل رسائل التضامن مع الأتراك والوقوف الى جانبهم.

أسد ينتزع الفريسة من فم أسد آخر، إنهم المشاغبون الأتراك الذين لم يكن احد يحسب لهم اي حساب في التصفيات النهائية لهذه البطولة .لا أحد يريد إسقاط أسوار فيينا التي استعصت على العثمانيين، المهم هو العودة بالكأس التي اخترعها الأوروبيون وقرر مدرب الفريق التركي فاتح تريم الذي يحمل لقب الامبراطور حملها الى قلب الأناضول عبر منافسة وصراع حتى الرمق الأخير. أليس من حق الشخصيات السياسية والحكومية التركية التسابق على حجز القمصان الرياضية التي ارتداها لاعبو الفريق أثناء مبارياته؟

قد يكون الأتراك نسوا خلافاتهم السياسية هذه الأيام، لكن الكثير من المؤشرات تدل على أن تركيا مقبلة على أزمة جديدة مصدرها حمل السياسة الى قلب الرياضة. نقاش بدأت بوادره في الظهور في الصحف باسم بعض الجماعات القومية المتشددة حول المصطلح الواجب تبنيه أثناء الكتابة عن المنتخب التركي، هل هو المنتخب الوطني أم المنتخب القومي؟ الصحافي والمثقف التركي المعروف، صالح يايلاجي، دعا نواب البرلمان التركي لأخذ الدروس والعبر من البطولات التي يسجلها الفريق التركي، حيث يترددون هم في استخدام الوكالة والصلاحيات التي منحهم إياها الشعب.

المذيع يسأل نجم الفريق التركي «اردا» بعد مباراة تشيكيا: كيف ستحتفلون بالفوز هذه الليلة؟ الجواب «سننزوي في غرفنا للشكر والتفكر»! العديد من خطباء الجوامع دعوا المصلين نهار الجمعة المنصرم الى رفع أيديهم نحو السماء والدعاء للفريق الوطني بالفوز في مبارياته المقبلة. الكثير من الأقلام تتحدث عن يد خفية لعبت الى جانب المنتخب التركي وسهلت له الانتصار. آخر طرفة تُردد في البلاد هي أن قيادة حزب الشعب الجمهوري المعارض التي تعارض كل شيء هذه الأيام قررت تقديم مذكرة احتجاج أمام المحكمة الدستورية للمطالبة بإلغاء النتائج التي يحرزها الفريق التركي لأن «عوامل فوق طبيعية» تدخل على الخط لتسهيل فوز المنتخب التركي. فكيف ينجح فريقا يبدأ مهزوما في كل مرة في تحقيق هدف التعادل أولا ثم تسجيل هدف الفوز مع انه الفريق الذي لم يرشحه اي متابع جدي للبطولات للانتقال حتى الى المرحلة الثانية من التصفيات؟ أحد المعلقين الرياضيين البريطانيين قال باندهاش واستغراب: لو هبطت سفينة فضائية قادمة من المريخ في هذه اللحظة فهي لن تدهشني أكثر مما يفعله المنتخب التركي في هذه المباريات.

الكثير من المراقبين والمتابعين يقفون بدهشة أمام ما يجري وهم يتساءلون عما اذا كانت المعجزة الأكبر ستقع بعد أيام حيث يعاني المنتخب التركي من فقدان كبار نجومه بسبب الإصابات والأعطاب والبطاقات الحمراء، أم أن الفريق الألماني هو الضحية الجديدة التي تنتظر النحر في سويسرا، أمام هذا الاندفاع والحماس و.. الحظ التركي؟

* كاتب تركي