اجتماع جدة

TT

هناك شيء غامض او حلقة مفقودة في تفسير ظاهرة الارتفاع الاخير الحاد في اسعار النفط العالمية والتي تحولت الى القضية او الأزمة الأولى في العالم الذي يواجه فترة صعبة اقتصادية تهدد بكساد كبير اذا لم تتضافر الجهود من أجل احتواء المتاعب الحالية التي جاءت حزمة واحدة تغذي بعضها وهي متاعب القطاع المالي العالمي بعد مشكلة الرهونات العقارية في اميركا والارتفاع الكبير في اسعار السلع الغذائية الذي رافقته تقلبات اسعار النفط وارتفاعها الكبير الأخير.

فخلال الفترة الماضية كانت هناك وجهتا نظر، الأولى تمثل المنتجين للنفط أساسا وترى انه لا توجد مشكلة عرض وطلب في السوق وان العوامل الاساسية سليمة ولا تبرر قلق الاسواق وارتفاعات الاسعار وتلقي باللوم على مضاربات في عقود النفط الآجلة من مستثمرين في الاسواق، والثانية تمثل الدول المستهلكة الصناعية وتطالب بزيادة ضخ النفط في الاسواق من أجل تهدئة الاسعار.

من هنا جاء اجتماع جدة النفطي كمبادرة مسؤولة من جانب السعودية، الدولة الداعية واكبر مصدر في العالم له، ليجمع طرفي المعادلة: المنتجين والمستهلكين، ومعهم اللاعبون الاخرون في السوق وهم الشركات النفطية وايضا المنظمات الدولية، وذلك بغرض الاتفاق على اعراض المشكلة والحلول الممكنة بناء على معطيات واقعية، وبما يعكس مصالح الجانبين في الحفاظ على صحة الاقتصاد العالمي وقدرته على مواصلة النمو.

وقد أعطت السعودية إشارات لطمأنة السوق وكبار المستهلكين من خلال إعلانها زيادة انتاجها 200 الف برميل وزيادة طاقتها الانتاجية الى 12.5 مليون برميل يوميا العام المقبل من خلال استثمارات تطوير قطاعها النفطي، لكن لا أحد يتوقع نتائج خلال ايام بينما صدرت وعود من جانب الدول الغربية بالنظر فيما شكت منه الدول المنتجة وهي المضاربات في الاسواق المالية على النفط. وبالمناسبة فإن قضية المضاربات ليست وجهة نظر المنتجين فقط لكن بعض المستهلكين مثل وزير مالية الهند الذي طرح تساؤلا منطقيا وهو ان الاسعار تضاعفت تقريبا خلال عام من 70 دولارا للبرميل الى قرب 140 دولارا حاليا بينما لم تحدث طفرة في الطلب تبرر ذلك، فمن اين جاءت هذه الزيادة. ويبدو ان ما يحرك المضاربات والاسعار هو الشعور بأن هناك زيادة مستمرة في الطلب يغذيها النجاح الاقتصادي لعملاقين هما الصين والهند. وتورد بعض الارقام ان إنتاج العالم حاليا هو حوالي 80 مليون برميل نفط يوميا وان الطاقة الاحتياطية للضخ لا تتجاوز الـ 3 ملايين برميل يوميا بما يجعل اي نقص كبير لدى احد المنتجين غير قابل للتعويض من قبل مناطق اخرى مثلما هو حادث حاليا بالنسبة الى انتاج النفط النيجري المتراجع بشدة بسبب هجمات متمردين هناك.

وهذا ينقلنا الى العوامل السياسية في الظاهرة الحالية، فحسب تقديرات كثيرة هناك الكثير من الاحتياطيات لدى دول منتجة كثيرة في العالم لكنها تحتاج الى استثمارات من اجل تطويرها واستخراجها وتعرقلها الاضطرابات او ازمات سياسية، كما حدث خلال الحظر الاقتصادي على ليبيا، او العراق، وحاليا مع ايران، وذلك بخلاف المخاوف من وقوع مواجهة عسكرية بسبب الملف النووي الايراني في اهم مناطق النفط بالعالم.

على المدى الطويل لا يوجد بديل عن تعاون مؤسسي بين المنتجين والمستهلكين للنفط في تحقيق استقرار السوق والامدادات، وايضا في تطوير مصادر الطاقة الاخرى بما يحافظ على صحة الاقتصاد العالمي الدي تتأثر به كل الدول وبحيث لا تكون هنا منافسة بين السيارة والبطون على المحاصيل الزارعية التي يجري تحويلها الى وقود.

وقد وضعت مبادرة جدة اساسا مهما جدا ستكون له آثاره الايجابية على أمن الطاقة في العالم لو حافظ على قوة الدفع التي اعطيت له وهو إرساء دعائم تعاون منظم بين الدول المنتجة وكبار المستهلكين في العالم طالما دعي اليه في السابق من اجل الحفاظ على استقرار الامدادات واستقرار اسعار اهم سلعة خام في العالم اليوم، وايضا حماية الاقتصاد العالمي، لأن الأزمات الخطيرة يمكن ان تخلق اوضاعا تخل بالأمن والسلم العالمي.