معرضان

TT

ثمة معرضان في الامارات. الاول يعرض صورا فوتوغرافية عن دبي 1950. علامات الحياة في الرمل القاحط الحار العاري المتمادي في كل الجهات. يومها كان الرزق الوحيد في المياه، لا في الارض. اعماق المياه. واكثر الصور تعبيرا تمثل الغواصين شبه عراة، في مركب صغير، وفي يد كل منهم مجداف يحاربون به اعالي الموج للوصول الى اعماق الخليج.

ماذا كانت دبي 1950. تأملوا الصور التي التقطتها سيدة اميركية. فقر مكدس وعوز على الوجوه، ولو انها جميعا تبتسم للكاميرا، من دون ان يدري اصحابها انهم سوف يكونون ذات يوم، بصدورهم العارية، شهودا على حقبة تبدو الآن وكأنها من ألف قرن.

لا أحد دخل القرن الحادي والعشرين كما فعل هذا الجزء من الأمة، التي كانت الثورات تحددها «من المحيط الهادر الى الخليج الثائر».

250 مليار دولار تخرج من منطقة الخليج الى فقراء العالم واسرهم. هذه مساهمة في الانسانية الكبرى، وإن كان بعض العمال يلاقي احيانا معاملة قاسية او غير عادلة. ولنكف عن الكلام على تعريب العمالة. هناك اعمال لن يقوم بها عربي، ولذا فهي متروكة للقادمين من اعمق اعماق الحاجة.

المعرض الثاني، في ابوظبي. ليس صورا فوتوغرافية، بل رسوم بالالوان. الرسام؟ اجل. لقد حزرت. انه بابلو بيكاسو في فندق «قصر المؤتمرات». انا اعرف هذا البلد مذ كان فيه فندق واحد، هو البستان الذي بناه اميل البستاني. الآن «قصر المؤتمرات» لعله افخم فنادق العالم او اكبرها. او الاثنان معا. لكنه عمارة ذهبية مذهلة فوق آلاف الامتار. وما بين المعرضين حكاية دولة كانت ثروتها الصعبة في اعماق المياه فصارت في اعماق الارض. ولولا الصور الفوتوغرافية لما صدق احد ان ذلك الماضي هو هذا الحاضر. بل هذا المستقبل، اذ بالمقارنة مع المحيط الهادر او بلدان المشرق والهلال الخصيب لم تعد اللوحات البيانية تتسع للشرح، ولحركة الهبوط والصعود، التقدم والتخلف، النمو والرجوع الى الوراء.

سعدت بحضور المعرضين. هذه اول مرة ارى العزيز بيكاسو عن قرب. ففي اوروبا يضطرني الأمر للوقوف في الطوابير، هنا، كل شيء ميسر، حتى اشهر اسباني منذ سرفانتس.