أكذوبة اتفقنا عليها (3 ـ 4)

TT

الفنون كلها نوع من الإيهام.. ليست كذبا على المشاهد وإنما هي حيلة يقوم عليها الفن المسرحي والسينمائي أيضاً، فأنت عندما تذهب إلى السينما أو المسرح تعلم علم اليقين أن الذي تراه لم يحدث قط. ولكن براعة المؤلف والممثل والمخرج هي أن يدخلك في جو قصة وأحداث «كأنها» حقيقة وتبكي منها ثم تصفق لها في النهاية. فالفن أكذوبة متفق عليها بين المؤلف والمشاهد.. بين الممثل والمشاهد.. بين المخرج والمشاهد. فالفن كله أنواع من الحيل بقصد أن تعيش تجربة وتنسى أثناءها أن الذي تراه «كأنه» حدث.. ونرى الممثل يطلق النار ويقتل ويموت. وكل ذلك لم يحدث. وأنت موافق وسعيد والمؤلف والممثل والمخرج البارع هو الذي يجعلك تعيش ساعة أو ساعتين في جو ممنوع أو جو فني.. وتلاحظ عند خروجك من السينما أو المسرح أن تصطدم بالواقع الحقيقي ولكنك تجد أن الواقع في المسرح أو في السينما كان أقوى وأروع وأجمل..

ويرى الكاتب العظيم تولستوي في كتابة له عن «معنى الفن» أنه لو جاء طفل صغير إلى أبويه يصرخ ويبكي لأنه رأى ذئباً كاد يفترسه وبكى الطفل فأفزع والديه فليس هذا فناً. وإنما الفن أن يتخيل الطفل أن ذئباً هاجمه فبكى وصرخ أبواه فهذا هو الفن. لأن الفن يتسلل إليك كالعدوى. فالطفل نجح في إيهام والده بأن ذئباً هاجمه فصرخ وبكى.. وأحياناً يضيق المتفرج بالنص المسرحي أو السينمائي ويقول: إنها واقعية جافة كأنها حكاية حقيقية. ويري أن هذا عيب فني.. وأن الفنان لم ينجح في نقل المشاهد أو القارئ إلى دنيا من صنعه.. دنيا بين الإيهام واللعب بخياله..

وليس هذا تضليلا وخداعا وإنما هو جهل بالفنون المسرحية.