صدمة السبعمائة

TT

لا يوجد عندنا وهم بأنه تم القضاء على القاعدة، حيث تظل الاسئلة تتكرر، متى وأين وكيف؟

ورغم توقعنا للسيئ من القاعدة فإن الاسوأ ان نكتشف ان هناك سبعمائة شخص منخرط في تنظيم سري إرهابي في السعودية. الرقم هو المفاجأة، فنحن ندرك بأن تنظيم القاعدة سيسعى مرات لتنفيذ هجمات على مواقع حيوية، وسيجند للمهمة من يعثر عليهم على قارعة الطريق، لكن الرقم مروع بكل ما تعنيه لغة الارقام.

وهذه قراءتي الفورية للحدث.

اتضح اليوم أن تجنيد هذه الأعداد الهائلة يعبّر عن تصميم القاعدة على تنفيذ مشروع هائل يهز العالم. فاستهداف المنشآت النفطية كفيل بإصابة العالم كله بالضرر، ويمنحها اكبر دعاية توازي ما فعلته في هجمات الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة.

وأثبت الأمن السعودي لسنوات متتالية قدرته على اصطياد مجندي القاعدة، وكشف عملياتها، مما يجعله الأفضل ويثبت انه استطاع اختراق التنظيم السري الذي استهدف المملكة بشكل استثنائي منذ التسعينات.

والأخطر في مطاردة الأمنيين للإرهابيين أن قضية الإرهاب حية وخطرة رغم كل ما يقال عن انحسار نشاط القاعدة وخسائرها المتكررة في عدد من دول العالم. فتجنيد سبعمائة شخص يؤكد حيوية القاعدة، ويكشف عن صلاحية التربة لنشاط مخططي الإرهاب، فكرا وتجنيدا ومالا ونشاطا. وإذا كان الأمن تمكن من القبض على شبكة النفط هذه، للمرة الثانية، فانه خارج المعقول ان نتوقع منه كل مرة اكتشاف خلايا تعمل في سرية تامة. الفكرة انه طالما بقيت هناك أرضية ملائمة لتخريج ارهابيين فإن الإرهاب او محاولات الإرهاب لن تتوقف.

ورغم ما فُعل، وقيل، وجُرّب، في السنوات القليلة الماضية نكتشف عجزنا عن القضاء على الإرهاب، فمحاربته تتطلب محاربة فكره وملاحقة متعاطفيه، ومصادره، وتستوجب شجاعة سياسية أكبر. ولنتذكر أن عمل الإرهابيين بات أكثر سهولة، وصار أكثر صعوبة على الحكومات لأسباب ثلاثة: أولها، شيوع التقنية في إرسال واستقبال المعلومات التي تتوسع يوميا أفقيا وعموديا. ثانيها، وفرة المال الناجم عن زيادة مداخيل النفط التي تنتقل من يد الى أخرى. وثالثها، تنامي صراع الأنظمة في المنطقة التي تتآمر فتموِّل وتسهِّل عمل الشبكات وتدفع بها بالاتجاه المعادي.

لكن الخطوة الأساسية تبدأ بمراجعة مناهج التعليم وكوادره من المدرسين، والنشاطات الخيرية، والمخيمات الصيفية، والمجاميع الاعلامية، ووضع حدود واضحة تلاحق الدعوات المتطرفة. فنحن في حرب مع الإرهاب التي تحتم مواجهة المشكلة من جذورها لا من نتاجها، وإلا فإن الجرة لن تسلم كل مرة. وبإمكان تأجيل كل هذه النشاطات الى نهاية الحرب، فالتنظيمات المتطرفة والمتعاطفون معها تحاول اختراقها واستخدامها، وكما نرى نجحت في اكثر من مرة واكثر من مكان.

فالمناخ المتساهل الساذج يجده مهندسو القاعدة مضمون النتائج، فيه يهيئون العقول التي هي أهم خطوة في التنظيم.

سبعمائة معتقل.. هذا الرقم يثبت لنا أن جهاز الأمن يقظ، وأن القاعدة تجد من يحرث الأرض لها.

[email protected]