أوباما والمحجبات.. نقاش هادئ

TT

أثارت حادثة منع فتاتين محجبتين من الجلوس خلف المرشح الديمقراطي باراك أوباما في أحد المهرجانات الانتخابية في مدينة ديترويت كي لا تظهرا أمام الكاميرات في نفس خلفية الصورة معه الكثير من الجدل.

مجدداً، يتم التخوف من الربط بين أوباما والإسلام وهو ما ظهر في تبرير أحد المتطوعين في الحملة الانتخابية لأوباما بأن منع المحجبتين من الجلوس خلف المرشح الأميركي مرده إلى الجو السياسي القائم وما يجري في العالم وبالتالي فلن يكون من الجيد أن تقترن صورة المحجبتين بأوباما. ورغم الاعتذار الرسمي الذي قدمته حملة المرشح الأميركي للفتاتين إلا أن القصة برمتها ركزت الاهتمام على مدى الأهمية التي يوليها أوباما ومديرو حملته للصورة السياسية للمرشح الرئاسي الأسود المتعدد النشأة والجذور، خصوصاً بعد الاهتزازات المتكررة التي تعرض لها من خلال محاولة ربطه بماض مسلم ارتبط به بطريقة أو بأخرى من خلال ترعره في اندونيسيا وارتدائه زيا اسلاميا تقليديا وتفاصيل أخرى رافقت نشأته الأولى.

مجدداً انزلق أوباما نحو ما وعد هو نفسه بتحاشيه وتجنبه عندما التزم أمام الأميركيين بإجراء تغيير شامل يطال الصورة النمطية السائدة للسياسة الأميركية اليوم وهو ما لم تعكسه إطلاقا حادثة الفتاتين المحجبتين رغم كل التبريرات والاعتذارات التي أعقبت القصة.

لكن رغم التعثر الظاهر لدى حملة أوباما في التعامل مع هذه الحادثة وهي حتماً مناسبة استغلها كثيرون من «الممانعين» من كارهي أميركا والذي يتربصون سقطات كهذه لإطلاق الأحكام والتعاميم الجاهزة، ينبغي أن لا تجرفنا المواقف نحو تعميم مماثل لا معنى له من شاكلة أنهم جميعاً سيئون وأنهم يتآمرون ضدنا. لا ينبغي أن نسهى عن حقيقة أن كثيرين منا ومن قادتنا كانوا سيمارسون «تقية» مماثلة لو التقوا عرضا بشخصيات أو مواطنين يهود أو اسرائيليين في مناسبات مشابهة.

من دون أن يكون في نقاش الأمر تبرير لما فعلته حملة أوباما، هناك حقيقة كبرى ماثلة هي أن أميركياً أسود ويرتبط بجذور مسلمة ما بات في وسعه، بل هو اليوم مرشح جدي ومنافس قوي على منصب الرئاسة الأميركية وهذا أمر يحدث فقط في الولايات المتحدة الأميركية وفي الغرب وليس في جمهوريات الموز التي نعيش في ظلها. إنه سبب كاف لنقارن بين تلك البلاد التي لا نكف عن لعنها وبين أمراضنا العنصرية والطائفية التي تتضاعف يوماً بعد يوم والتي تطال فيمن تطال السود الأفارقة الذين نتباكى من حين لآخر على الإجحاف بحقهم دون أن نعني ذلك حقاً.

ربما يصل أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية وربما لا. ويبقى أن المهم هو أن المجتمعات التعددية وحدها يمكنها إيصال نماذج غير معلبة بشعارات انشائية للعدالة إلى سدة الحكم.

صحيح أن أوباما ارتبك في قضية التقاط صورة مع محجبات لكن محاسبته أتت من داخل المجتمع الأميركي نفسه واعتذاره ليس بتفصيل عابر..

هناك دلالات فعلية على أن الرجل سيقدم على تعديلات جوهرية والأمل هو أن تعديلات مماثلة كثيرة لاحقة يمكن أن تحدث في بلادنا..

diana@ asharqalawsat.com