انفراج نفطي قبل نهاية هذه السنة

TT

لا عودة الى النفط الرخيص، ولا حرب ضد ايران. ان من اهم اسباب ارتفاع اسعار النفط: الحصار على العراق بعد غزوه الكويت، ومن ثم عدم تطوير البنية التحتية لآبار نفطه ثم الحرب عليه. الحصار على ايران وكذلك ليبيا. ويقول لي خبير اختصاصي في النفط: «اذا نظرنا الى الصورة امامنا، نلاحظ انه خلال 21 عاماً، كانت الدول الثلاث هذه تخضع للمقاطعة وإلا لكانت قدرتها على الانتاج اليوم كبيرة. ولا يمكن مضاعفة الانتاج عبر الحصار. ان استهلاك النفط في العالم وخاصة في الصين والهند ازداد، ثم ان الصين تبني احتياطي نفطها الاستراتيجي».

ويضيف: «من الاسباب الاخرى، ان النفط في بعض دول العالم الثالث مدعوم وهذه مشكلة، اضافة الى مواقف فنزويلا ورئيسها هوغو شافيز، ونيجيريا والتفجيرات التي تلحق بانابيب النفط، واخيراً الوضع العراقي ـ الايراني، كل هذه الاشياء سببت عدم استقرار في السوق».

ويشرح محدثي، أنه اذا دمجنا مشكلة العراق مع احتمال ضربة اميركية على ايران يمكننا اضافة 25% الى سعر النفط، ثم ان معظم المؤسسات الاستثمارية في العالم اوجدت في كل «بورتفوليو» ما يسمى بـ«النفط على الورق»، اذ صار من الضروري ان تشتري النفط كمستثمر، فصار النفط وسيلة مالية، وصارت هناك مضاربات، وشراء عقود للمدى البعيد، اي يشتري المستثمر عقد نفط لمدة شهر او ثلاثة اشهر او 6 اشهر او خمس سنوات. وفي رأيه انه «عندما يصبح النفط وسيلة مالية يزداد الطلب عليه، ويبرز دور المضاربين» ويضيف: «رفع المضاربون سعر النفط بنسبة 25%».

هو يتوقع ان يتراجع السعر الى ما بين 70 دولاراً و100 دولار وذلك يعتمد على نوعية النفط، وقد يستقر السعر ما بين 90 و100 دولار، وهذا سيحدث في الاشهر الستة المقبلة.

ويشرح محدثي: «عندما ترتفع اسعار النفط ترتفع اسعار الطاقة، والعالم لا يتحمل ذلك، خصوصاً ان الانظمة المصرفية في العالم مشلولة». ويضيف: «اذا نظرنا الى الدول المنتجة للنفط، فان لديها استثمارات في الخارج، صحيح ان اسعار النفط مرتفعة، انما قيمة استثمارات هذه الدول تتهاوى، فهي لديها استثمارات ومصارف وعقارات. ثم ان اسعار السلع الغذائية ترتفع، ومصانع السيارات تغلق ابوابها، فالناس لا يريدون شراء سيارات جديدة، كما انهم لم يعودوا قادرين على السفر، ثم انه منذ عام 1980 لم يصر الى بناء اي محطة تكرير. ان العالم لا يتحمل سعر برميل النفط بـ 140 دولاراً، لا تبرير لذلك اقتصادياً، هناك نفط متوفر والفرقعة ستحدث قبل نهاية هذه السنة».

ويقول: «على المدى القصير، فان ايران وفنزويلا سعيدتان بهذا الوضع الذي يزيد مدخولهما، ويعطي ايران قوة، ويعرف العالم ان اي حرب مع ايران سترفع اسعار النفط فوراً الى 200 دولار».

في ظل تخبط العالم في البحث عن مخرج لارتفاع اسعار النفط، وما تبعه من ارتفاع في اسعار الحاجات الاساسية مما دفع الناس الى مراجعة اولوياتهم، خرجت التفسيرات للمناورة الاسرائيلية الاخيرة، وما لمّح اليه رئيس تحرير «ويكلي ستاندارد» بيل كريستول من ان الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش قد يعمد الى شن هجوم على ايران اذا ما شعر باحتمال فوز المرشح الديموقراطي باراك أوباما.

من المؤكد ان لدى اسرائيل عدة خطط لاحتمالات طارئة تتعلق بطهران اذا ما دعت الحاجة، لكن ليس هناك من دولة، اذا كانت تخطط لهجوم حتمي، ان تتهيأ له بهذا الشكل المناوراتي. ان الهدف هو إثارة المخاوف الايرانية وقد تحقق، فايران ليست متأكدة من النيات الاسرائيلية.

وكان جون بولتون، السفير الاميركي السابق لدى الامم المتحدة واكثر المؤيدين لاسرائيل، قال اخيراً، إن ضربة عسكرية اميركية على ايران ممكنة فقط، بعد اجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية، اي ما بين تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الثاني (يناير) 2009، «وحتى هذا الاحتمال صار صعباً».

سيكون صعباً، لأن الرئيس بوش عليه ان ينسق كل القرارات الحاسمة مع الرئيس المنتخب. وكان اوباما عيّن حلقة مستشارين للسياسة الخارجية بينهم وزيرا الخارجية السابقان: وارن كريستوفر ومادلين اولبرايت اللذان يناديان بالانفتاح على ايران.

يبقى النفط الآن هو مقرر الخطط المستقبلية للدول وللاعبين الاساسيين الدوليين في منطقة الشرق الاوسط، اذ لم تعد اميركا وحدها الباحثة عن مصالحها في تلك المنطقة، لأن هناك الهند والصين. الهند ابتعدت عن سياسة واشنطن ومالت الى ضرورة ترك المشكلة النووية الايرانية في ايدي الوكالة الدولية للطاقة النووية. والمعروف ان الهند تتطلع الى نظام امني جامع في المنطقة يكون لها فيه دور دعم وتعاون مع دول الخليج. والدافع وراء التطلع الهندي الى الخليج هو الصين. فالصين تستورد حوالي 50% من حاجاتها النفطية، و60% منه يأتي من الشرق الاوسط، وهذا من المتوقع ان يصل الى 70% عام 2015، لهذا فان لها مصلحة في استقرار المنطقة لأن الاستقرار يؤثر على أمن الطاقة الصيني. وهي كانت عارضت الحرب على العراق، وتصر على حل ديبلوماسي لبرنامج ايران النووي. ثم ان السعودية، المزود النفطي الاساسي للهند، تنوي هذا العام مضاعفة تصدير نفطها الى الصين، ومن المتوقع في عام 2010 ان تبلغ صادراتها النفطية الى الصين المليون برميل يومياً، الامر الذي سيضع الصين في المرتبة الاولى لتوجه النفط السعودي.

يضاف الى هذا، ان الصين وقعت صفقة مع ايران لشراء 250 مليون طن من الغاز على مدى ثلاثين عاماً، ولتطوير حقول «يادافاران» المحتمل ان تنتج 150 الف برميل يومياً على مدى 25 عاماً.. ثم هناك روسيا التي تقف ضد اي حرب على ايران.

ان شبكة العلاقات النفطية هذه، التي تربط الدول المتنافسة إنْ كانت مستوردة او منتجة للنفط، تجعل من الصعوبة على اميركا شن حرب على ايران في وقت يشعر المستهلك الاميركي بضيق المجالات امام معيشته اليومية. كما ان دول النفط في الخليج غير مستعدة لدفع تكاليف حرب لا تريدها، في وقت يهرع زعماء العالم الى إقناعها باستثمار جزء من اموالها في دولهم لتحريك اقتصادها.

يقول لي مصدر اميركي، يعرف تاريخ الرؤساء الاميركيين، «انه في الستينات اختار الرئيسان جون كنيدي وليندون جونسون عدم القيام بعملية عسكرية ضد البرنامج النووي الصيني، وهذا مهد الطريق امام الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي، وعلى رغم هجوم المحافظين المتشددين عليه، اختار ان ينفتح ديبلوماسياً على الصين الشيوعية». ويضيف: «ذلك التعاون مع الصين ساعد اميركا على تحقيق الانتصار في الحرب الباردة، حيث انها طوقت الاتحاد السوفياتي بفعالية. اليوم يمكن تكرار ذلك مع ايران، وتوقع نتائج ايجابية».

لقد كان مؤتمر جدة في نهاية الاسبوع الماضي محط أنظار العالم، فالكل ينتظر تأثير زيادة ضخ النفط السعودي في الاسواق، رغم الاعتراضات التي صدرت عن ايران، وفنزويلا وليبيا. ان السعودية تتطلع الى تخفيض محدود لسعر برميل النفط من اجل المحافظة على الطلب، فهي لا تريد دفع العالم الى الركود الذي قد يخفف الطلب ويخفّض الاسعار. كل هذا للمحافظة على توازن اقتصادي يحتاجه العالم وتحتاجه الدول المصدّرة للنفط، وهذا الجهد كله نقيض الحرب التي عاد ينفخ في ابواقها «المحافظون الجدد»، والاخطر ان ايران تعرف انه في حالة الحرب، فان اميركا لا تستطيع ان تغزوها، يمكنها فقط ان تقصف، وهذا يعني التفاف الايرانيين حول النظام الحالي الذي يشكو منه العالم. ويمكن لايران ان ترد بقصف المنطقة الخضراء في بغداد، وضرب عدة قواعد اميركية في العراق وافغانستان.

في هذه الحالة «المحدودة» قد يصبح سعر النفط 200 دولار، اما اذا حاولت ايران إغلاق مضيق هرمز فعندها كل الاحتمالات مفتوحة.

ان اغلاق ملف التهديد بالحرب يكشف هشاشة سياسة نجاد الداخلية، ويخفف من دور المضاربين في اسعار النفط، ويعيد الاعتدال الى سعر برميل النفط، الاعتدال الذي صار مقبولاً اذا وقف عند المائة دولار. ان اغلاق هذا الملف يمكن ان يتحقق اذا بقي ما جاء في مجلة «نيوزويك» صامداً حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وهو تفوق اوباما على ماكين بنسبة 15%.