من سيتولى قيادة آسيا؟

TT

أحياناً يكشف تعليق بسيط الكثير عن حالة القيادة الأميركية أكثر من أي خطاب أو تصريح حول السياسات أو أي تقرير حكومي. وخلال زيارة رسمية لرئيس كوريا الجنوبية الجديد لي ميونج ـ باك، وهو صديق وفيّ لأميركا، إلى بكين أواخر مايو (أيار) الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية «أثر تاريخي».

على الولايات المتحدة استثارة تحدي القيادة لديها وبدء القتال دفاعاً عن ذلك التحالف في قارة آسيا. وأن يقوم الصينيون باختبار إحدى أوثق علاقاتنا، فهذا يعني أنه إذا لم نسرع الخطى، فقد تقوم آسيا بصياغة خطط لمستقبلها بعيداً عنا.

تسعى الحكومة الأميركية جاهدة، بدءًا من الرئيس حتى أصغر موظف، للحفاظ على مصالحنا طويلة المدى والبقاء كقوى في آسيا. ولكن، لماذا لا تقبل آسيا ذلك؟

يرجع ذلك بصورة جزئية إلى تغيرات كبيرة هناك، منها ارتقاء الصين ونضج حلفائنا، الذين كانوا فيما مضى عالة وتابعين. ويرجع ذلك أيضا إلى عدم تساوق نظرتنا الاستراتيجية. وبصراحة، الأمر متعلق بالأسلوب. فعندما نتناوب الأدوار بين «تولي المسؤولية» والعمل بصورة منفصلة، فالنتيجة ستكون هي أن يتساءل الأصدقاء حول مستوى التزامنا.

وبفضل العديد من الجنود والبحارة والطيارين، أعطانا حلفاؤنا في قارة آسيا ميزة في هذا السباق. نرى، في الوقت الحالي، الحليفتين اليابان وكوريا الجنوبية دولتين ديمقراطيتين قويتين. وكذا أصبحت الفلبين وتايلاند عضوين قادرين في عائلة التحالف. وأثبتت أستراليا، التي حاربت بجانبنا في كل صراع خلال القرن العشرين، أنها صديق يعتمد عليه.

ولدينا أيضا أصدقاء خارج إطار حلفاء المعاهدات، فتايوان شريك في النطاق الأمني، وهي تثبت كل يوم ارتباط الديمقراطية بحياة الشعب الصيني. وتسعى إندونيسيا لبذل كل ما تستطيع من أجل معالجة مشاكلها المتعلقة برضا المحكومين. وتشهد الديمقراطية في ماليزيا صحوة متجددة. وتقترب سنغافورة منا وقد يكون لنا تحالف أمني معها بدون معاهدة. ويمكن أن نعتمد من حين لآخر على الآخرين خارج المصالح المشتركة.

باختصار، فإن الكثيرين يعتقدون بأن الرؤية الأميركية لقارة آسيوية تتمحور حول كونها قارة حرة آمنة تتمتع بالرخاء. وحيث إن عبء القيادة يصبح أكثر صعوبة، فكيف يمكن مواجهة التحدي الرئيس المتمثل في ظهور الصين كقوة عالمية كبرى. كل اللاعبين في آسيا، بمن فيهم الولايات المتحدة، لديهم مصالح حقيقية قد تتأثر بعلاقتهم مع الصين. ولكن الصين، كما هي الآن، تهدد الحرية والأمان، وفي يوم من الأيام، ستكون تهديدا لرخاء آسيا. ويجب ألا نخاف من التصريح بذلك.

تزيد الصين بصورة كبيرة من نفقاتها العسكرية وتحدّث ترسانة أسلحتها باستمرار. وتقوم الآن بتوسيع قدراتها البرية والبحرية والجوية. ولديها مطالب إقليمية متعلقة بجيرانها اليابان وتايوان والهند وفي بحر الصين الجنوبي. وتسعى الصين لإقامة علاقات وطيدة مع الأنظمة الحاكمة الأكثر قبحا في العالم. وهي ملتزمة بنظام حكم سلطوي يقوم على الحزب الأوحد.

نحتاج إلى إعادة التفكير في استراتجيتنا، بصورة تعتمد على حث الصين كي تختار الإصلاح الديمقراطي والدخول في النظام الدولي بشكل سلمي وفي الوقت نفسه نعد لسيناريوهات بديلة. ما يجب أن نقف ضده هو صعود منافس قوي استراتيجي غير ديمقراطي، وهذا يوشك أن يحدث.

نعم، يمكن أن نعقد شراكة مع الصين في بعض المصالح المشتركة، ولكن لا يمكن أن نتعامل معها «كشريك استراتيجي»، فالهوة بين منظومة القيم التي تحكمها وأهدافها ومنظومة القيم التي تحكمنا وأهدافنا كبيرة للغاية. وبتجاهل هذا الفرق، سنسهل على الصين تولي القيادة بدلا من أن نؤكد على قيادتنا.

ويتطلب الوضع الحالي دبلوماسية تضع في اعتبارها حقائق الوضع في آسيا، فالقيادة الأميركية لا يمكنها أن تنظر إلى أصدقائنا وحلفائنا كأتباع ولكن كشركاء كاملين، فعلى الرغم من أنهم قلقون من الصين، نجدهم قلقين من نهجنا. لا يمكن أن نسمح لقيادتنا بأن يتم النظر إليها كخيار بين تحقيق الأمن بقيادة أميركا وتحقيق الرخاء بدعم الصين.

سنحتاج إلى بعض الوقت كي نبني الثقة في نموذج جديد من القيادة، وسيتطلب ذلك اهتماما على المدى الطويل وتركيز أكثر من إدارة على الأولويات الإقليمية والمبادرات الدبلوماسية. وقد يعني ذلك الحاجة لتكوين مؤسسات جديدة مثل تحالف عالمي للحرية، يمثل تتمة للأدوات الدبلوماسية التي نستخدمها في الوقت الحالي. يمكننا أن ندير ذلك، ولكن عن طريق تنسيق استراتيجي يأتي مع تحديد التحدي الذي نواجهه.

وبدون قيادتنا لآسيا، ستصبح تلك القارة شيئا سيئا بالنسبة للولايات المتحدة، وسيكون ذلك أيضا من سوء حظ آسيا. ما زالت الولايات المتحدة قوة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لمنطقة الباسيفيك في آسيا. ولذا يجب أن نتولى القيادة كما ينبغي.

هولمز: نائب رئيس مؤسسة التراث

لوهمان: مدير مركز الدراسات الآسيوية بمؤسسة التراث

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»