رسالة موجزة إلى العقيد معمر القذافي

TT

اطلعت على أقوال في خطاب لكم نشرته جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 13/6/2008 تهاجمون فيه رجال العهد الملكي وتخصوني فيه بتهم الخيانة والتبعية لأميركا ومع الأسف فإن هذه ليست هي المرة الأولى التي تكيلون فيها هذه الاتهامات جزافا وتجنيا على الحقيقة والتاريخ، مع ان الحقائق التي كشفت عنها الوثائق الرسمية التي أفرج عنها بعد مضي ثلاثين عاما، سواء في أميركا أو بريطانيا أو فرنسا، تفند هذه الادعاءات جملة وتفصيلا، بل وتتحدث صراحة عن مؤامرات كانت تدبر من قبل الدول الغربية للتخلص مني بسبب مواقفي الوطنية والقومية التي كانت تعاني منها.

وقد تنبهت الصحافة العربية لهذه الوثائق الرسمية فقامت بنشر بعضها، وكانت جريدة «الشرق الأوسط» من بين هذه الصحف التي عنيت بنشر وثائق الخارجية البريطانية لعام 1955، حيث نشرت بتاريح 28/2/1986، أي قبل أكثر من عشرين عاما، مقالا لمراسلتها في لندن تحت عنوان: «بريطانيا كانت تسعى لتعزيز مصالحها في ليبيا وترى في استمرار مصطفى بن حليم تهديدا مباشرا لها». ونشرت الجريدة صورة للوثيقة البريطانية وترجمة للغة العربية يظهر منها مدى انزعاج بريطانيا والغرب عموما من سياساتي القومية والوطنية لدرجة أنهم فكروا في تنظيم انقلاب ضدي، كما جاء في تلك الوثيقة.

هذا مثال واحد فقط مما نقلته الصحافة العربية. غير ان هذه الوثائق غنية بالمعلومات والحقائق لمن يريد معرفة الحقيقة وما كان يطبخ في وزارات خارجية الدول الغربية، وفي كتابي الذي نشرته عام 1992 بعنوان «صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي» الذي يبدو انكم لم تطلعوا عليه، ويقع في 847 صفحة، نشرت 94 ملحقاً تضمنت النصوص الكاملة للعديد من الوثائق الرسمية السرية التي افرج عنها بعد ثلاثين سنة، وليس فيها وثيقة واحدة يمكن ان يُشتم منها خيانة أو تبعية أو تهاون في القضايا الوطنية أو القومية. وفي استطاعة من يريد معرفة الحقيقة واصدار أحكام موضوعية الاطلاع عليها وسيجد فيها الكثير من الشكوى من السياسات الوطنية والقومية التي سرت عليها حيال الغرب كله، خاصة من تأييدي للرئيس جمال عبد الناصر. وسيجد فيها ما نقلته جريدة «الشرق الأوسط» عن تلك الوثائق عن الخطط التي فكروا فيها للتخلص مني.

الماضي أصبح جزءا من التاريخ لا مجال لتغييره أو التلاعب فيه إرضاء لشهوات أو رغبات شخصية، وسيصبح عهدكم جزءا من ذلك الماضي وسيصدر التاريخ حكمه عليه. اننا نأمل من العقيد القذافي ان يراجع نفسه في ضوء الحقائق التي كشفت عنها تلك الوثائق، وان يكف عن توزيع الاتهامات والاستهانة بتضحيات الاجداد والآباء وما بذلوه من أجل خير هذا الوطن، وندعوه الى الاهتمام بشؤون الوطن الحالية وحل مشاكله الجمة التي ترتبت على سياسات أوصلته الى الحالة التي هو عليها الآن بالرغم من الثروة الهائلة التي أنعم الله عليه بها نتيجة للسياسة الحكيمة التي سار عليها من سبقوا العقيد في ادارة شؤون الوطن. فهذا أنفع وأجدى من محاولات اعادة كتابة التاريخ والتنكر لتضحيات وجهود الاجداد والآباء، هذه التضحيات والجهود التي لولاها لما تحقق استقلال ولما كانت ثروة ولا إعمار.

* رئيس وزراء ليبيا الأسبق