من يملك العراق؟

TT

بعد عودتي منذ وقت قريب من مصر، كانت قناة السويس تعلق بذهني. وتخيلت أني أنظر إلى العراق من القاهرة، وتخيلت أن العراقيين قد عبروا قناة السويس. وإذا تحول ذلك الخيال إلى واقع، فلا شك أنه سيكون خبرا سارا.

عم أتحدث إذا؟ لم تكن هناك وسيلة أمام الرئيس المصري السابق أنور السادات لتحقيق السلام مع إسرائيل إلا شن تلك الحرب الخاطفة عبر قناة السويس يوم كيبور 1973. لقد كان "يوم العبور" هجمة مفاجئة وعاها التاريخ المصري جيدا، وكان ذلك اليوم معلما بارزا في حياة المصريين النفسية كما كان من الناحية العسكرية. فقد محا ذلك الهجوم تلك الهزيمة المذلة لمصر في حرب 1967 وأعاد للمصريين كرامتهم وثقتهم بأنفسهم لصنع السلام مع إسرائيل على أساس التكافؤ العسكري. وعلى الرغم من تعقد الوضع العسكري إلا أن المصريين يشعرون بأنهم قد حرروا سيناء بأنفسهم. ومن الأشياء التي شعرت بها خلال زيارتي الأخيرة للعراق بعد الغزو الأميركي هو أن العراقيين يشعرون بأنهم لم يحرروا أنفسهم وأن الأميركيين هم الذين حرروهم، وقد كان ذلك سببا لشعورهم بالمهانة. وربما يكون ذلك هو أحد الأسباب التي لم تدفعهم لإلقاء باقات الزهور على الجنود الأميركيين المحررين. فعندما يقوم شخص آخر بتحريرك في بيتك، فإن ذلك يعتبر مهانة لك، بل وإذلالا. وأعتقد أن ذلك هو أشد ما يعوق إقامة علاقات دولية لاسيما في الشرق الأوسط.

كما أن ذلك يفسر لنا سبب عدم تملك العراقيين لمؤسسات حكومتهم مثل سلطة التحالف الإقليمي. فالعراقيون لم يقاتلوا من أجل تملك مؤسساتهم. لقد تم تسليمها إليهم. إن الشعوب يجب أن تقاتل وتفوز بحريتها، وهذا هو السبب في إضفاء الشرعية على مؤسساتها. ويبدو أن ما حدث في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية هو أن العراقيين قد بدأوا في تحرير أنفسهم. فبمساعدة الحملات التي أمر بها الرئيس بوش استطاعت قوات العشائر السنية تحرير أنفسها من قبضة «القاعدة» في المناطق التابعة لهم. كما قامت القوات الشيعية التي يمثلها رئيس الوزراء نوري المالكي والجيش العراقي بتحرير البصرة والعمارة ومدينة الصدر في بغداد من كل من عناصر جيش المهدي وفرق الموت التي تدعمها إيران.

وربما ننظر يوما إلى هذه الحرب على أنها الحرب العراقية الحقيقية لتحرير العراق، لأن الحرب التي اندلعت منذ خمس سنوات لم تؤت الثمار المرجوة.

ولأن العراقيين يشعرون الآن بأنهم حرروا أنفسهم، فإنه يبدو أن ذلك يضفي الشرعية والثقة على الجيش العراقي الذي يشكل الشيعة نسبة كبيرة منه وكذلك على حكومة المالكي. ويبدو كذلك أن تطور الأوضاع قد شجع السنة على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعد مقاطعتها على نطاق واسع خلال الدورة الماضية. وكذلك حرر الأكراد أنفسهم وشعروا بنعيم هذه الثقة.

ومن المستغرب أن الشخص الذي رأى وتنبأ بإمكانية حدوث أثر سلبي لهجمات «القاعدة» هو أيمن الظواهري صديق أسامة بن لادن. وتذكروا الخطاب الشهير الذي بعث به يوم 9 يوليو (تموز) 2005 إلى أبو مصعب الزرقاوي، قائد «القاعدة» في العراق، حيث حذره وطلب منه وقف قتل المزيد من الشيعة والسنة من خلال حملته التي قام فيها الموالون له بالعديد من عمليات التفجير والخطف. لكن الزرقاوي لم يأخذ بالنصيحة.

وأنا أنصحكم بقولي: إن حروب التحرير هذه ليست كافية لوحدة الأمة العراقية. إن الحروب الأهلية قد تستمر في العراق. فالعراق ما زال بعيدا عن مفهوم الوحدة. ولكن مع أخذ المزيد من السنة والشيعة مسؤولياتهم على محمل الجد، فإننا ربما نشهد المزيد من الصراع على السلطة في كل طائفة عرقية. ومع ازدياد أسعار البترول، فسوف يكون هناك المزيد مما يدور الصراع عليه.

ولكن إن حالفنا الحظ، فربما يكون ذلك الصراع محصورا داخل حلبات مصارعة المشهد السياسي. وإذا لم يحالفنا الحظ؟.. حسنا! فلنأمل أن يحالفنا.

* خدمة «نيويورك تايمز»