ملح الرجال

TT

ذهب السياسيون اللبنانيون الى قطر، الشهر الماضي، ونقلوا معهم الدولة الى الدوحة: رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء والوزراء. وطبعا المعارضة. وعادوا ومعهم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة ورئيس وزرائه. وأقاموا في البرلمان أول انتخابات رئاسية من نوعها في التاريخ: اثنان يتحدثان في جلسة انتخاب الرئيس: الحاكم الضيف والرئيس الجديد. وامتلأت شوارع بيروت بيافطات ضخمة كتب عليها «شكرا قطر».

عاد القطريون الى بلادهم ونزل اللبنانيون الى ساحاتهم المغلقة. وبدأت الحرب من جديد. حكومة يمنع ان تشكل ومعارك متنقلة في انحاء البلد. كان هناك هدفان اساسيان قبل الدوحة: الرئاسة التي أبقيت شاغرة طوال ستة أشهر والحكومة التي أبقيت معطلة طوال ثلاث سنوات. بعد الدوحة اضيف، على ما يبدو، هدف ثالث: الجيش. فالجيش بعد انتخاب الرئيس ميشال سليمان، أصبح من دون قائد أصيل. أي هو والحكومة في وضع «تصريف الأعمال». وثمة مخطط واضح منذ أشهر لاتعابه ونقله من مكان الى مكان وزيادة تشابكه مع المواطنين. أو مع «المقاتلين». وقد رأينا على الشاشات نوعيات سلاحهم وأقنعتهم، وكلاهما كثيف مخيف. أنا أريد الاعتذار من قطر التي شعرت ان علاقاتها الدولية والاقليمية والعربية تؤهلها لمعرفة السياسيين اللبنانيين أو حاملي الجنسية اللبنانية. وقد ذهلت عندما رأيت الدكتور عمرو موسى مفاجأً بما حدث بعد اتفاق الدوحة، إذ قال جملته الشهيرة: عاتبون وآسفون ومدهوشون.

دهشة ايه يا سعادة الأمين العام بعد كل الوقت الذي أمضيته في بيروت؟ يفاجأ المرء اذا كان يتعامل مع سياسيين يحترمون كلمتهم ويحبون شعبهم، وولاؤهم لوطنهم. هذه في لبنان ظاهرة نادرة ومسألة منقرضة رفعت صورها على مدخل الحديقة الجوراسية، متحف الديناصورات. ونحن نريد الاعتذار لقطر التي ضمنت قبل تلك المغامرة، مواقف أميركا وايران وسورية وفرنسا وسواها، ونسيت ان تضمن تواقيع اللبنانيين. اذا كان هناك من ضمانة على الأرض لمثل ذلك. الغريب ان جميع السياسيين يستنكرون (بشدة) خرق اتفاق الدوحة وخرق الأمن والتعرض للجيش وعرقلة تشكيل الحكومة. وثمة مثل شعبي سفيه في لبنان يقول: الكذب ملح الرجال. وبقيته: وخراب الدول.