بعيد بعيد أنا وأنت!

TT

بعد النكسة أقمت معرضاً للكتاب في طرابلس بليبيا. وعنوان المعرض «اعرف عدوك» أي اننا إذا عرفناه وفهمناه استطعنا أن نتعامل معه. ولكننا دخلنا حرب 67 ونحن لا نعرف عن العدو شيئاً له قيمة. وكان يعرف عنا أكثر فانتصر وانكسرنا.. ولما عرفناه في 73 انتصرنا وانكسر. وفجأة طلب أحد الحاضرين أن أرد على سؤال مهم. السؤال: كيف نسمح لسيدة عجوز أن تقول لنا ليلاً ونهاراً: بعيد بعيد وحدينا.. بعيد أنا وأنت. وهو يشير إلى أغنية أم كلثوم. السؤال غريب.. ومفاجأة ولا علاقة له بالنكسة. وإنما هو سؤال قد وقف في حلقه ولا يستطيع أن يسكت عنه، ولا بد من إجابة فوراً. وقلت له: إن أم كلثوم لا تقصد أن ينفرد بها أحد وحدها في الصحراء بعيداً عن الناس.. وإنما هي تتحدث عن أمنيات المحبين أن يكونوا بعيدين عن العيون والآذان!

الغريب أن أحداً لم يضحك لهذا السؤال المفاجئ ولا استنكره، وحاولت أن أقول له إنني عندما أسمع أم كلثوم لا أتخيلها هي، وإنما كلامها وموسيقاها يخلق جواً وعطراً وأحلاماً وحريراً وأحضاناً في المكان الذي اختاره أنا.

وتذكرت مطربة لبنانية لا أعرف شكلها، ولكن يعجبني صوتها تقول في الأغنية: خدني معك.. يا حلو.. الله على هذا الصوت البديع. لا أعرف من أين يخرج صوتها ولا كيف يكون حريراً وماساً طبقة فوق طبقة.. الله، ربما كان العيب الوحيد في كلامها كلمة يا «حلو» باللهجة اللبنانية بكسر الحاء وكسر اللام والسكون على الواو!

وكلام الأغنية مع مطرب لبناني آخر كلام عادي جداً.. ولكن الصوت الجميل والأداء السهل والموسيقى الناعمة ولا يهمني أن التقي بهما، وإنما اكتفي بمن أتخيل وبمن أحلم بعيداً بعيداً في الصحراء أو بين أشجار الأرز. المهم أن أذهب وأطير على أجنحة هذه الكلمات والنغمات.. بعيد بعيد وحدينا!