(التقاء النقيضين).. في تشويه الإسلام.. والكيد للسعودية

TT

لو أن إنسانا عبد وثنا، أو تنجّس لكي يصلي، ثم زعم أن هذا هو التوحيد الخالص، وأن هذه هي الطهارة للصلاة، أكنتم مصدقيه؟.. نحسب أن كل عاقل سوي سيجيب ـ من فوره ـ: بأن (لا).

ومن هنا يصعب، بل يستحيل الاقتناع أو تصديق أن الذين خططوا للإفساد في المسجد الحرام (باتخاذ الحج والعمرة غطاء لهذا الإفساد)، وخططوا كذلك لأجل إنزال أفدح الأضرار بأرزاق المسلمين ومعايش ذراريهم من خلال تبييت النية على ضرب منشآت نفطية واقتصادية في السعودية.. يستحيل تصديق أن هؤلاء ـ بنياتهم وأفعالهم هذه ـ (يعبدون) الله تعالى، ويتبعون رسوله صلى الله عليه وسلم ويخدمون دين الاسلام. فطاعة الله الحقة المقبولة هي اتباع شريعته: في طهر النية والباعث، وشرف الوسيلة والأسلوب، ونبل المقصد، وتقوى السلوك.. فمن خصائص المؤمنين بالله، المسلمين الوجه له سبحانه ـ في كل شأن ـ أنهم: يضمرون الخير لا الشر، ويعظمون حرمات الله ومقدساته، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ويصلحون في الأرض ولا يفسدون، ولا ينقضون الميثاق، ولا يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وهم الذين يَسْلم الناس من ألسنتهم وأيديهم، وهم الذين (يبذلون السلام للعالم)، وهذه عبارة عدّها عمار بن ياسر من صفات المؤمن، وأوردها البخاري في (مباحث الإيمان)!.

نعم.. يستحيل تصديق ما يفعله هؤلاء بأنه عبادة لله، وخدمة للإسلام، فحاش لله: أن يُعبد بالإثم والعدوان، وبالفجور في مقدساته، وبأذية الناس وفجيعتهم في أرزاقهم ومعايشهم، وبـ (التقول) الآثم عليه جل ثناؤه، فهذه كلها (محرمات) مغلظة بإطلاق:«قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون».. وإذ يستحيل تصديق ذلك، فكيف يفسر هذا السلوك الذي يهدم الإسلام باسم الإسلام؟.. التفسير هو: أن هناك (دوائر خارجية) تؤز هؤلاء أزَّاً، وتستغلهم في تنفيذ ما تريد. (ولقد أشار بيان وزارة الداخلية السعودية بوضوح إلى هذه الارتباطات الخارجية).. التفسير هو: ان هذه الجهات أو الدوائر توظف هؤلاء في خدمة مخططاتها (وهم أصغر وأقل عقلا من أن يدركوا أبعاد هذه المخططات).. وليس بالضرورة أن يقوم (تواطؤ): شفهي أو مكتوب بين الطرفين. ففي حبكة المؤامرات وظلمتها: تستبعد مثل هذه الأساليب الموغلة في السذاجة والبلاهة. وإنما يجري التوظيف بطريقتين:

أ ـ طريقة ان تلك الجهات درست فعرفت (منازع) هؤلاء الايديولوجية فتفننت ـ من ثم ـ في (تزيين) ما يريدون وأغرتهم بمباشرته إلى درجة أنهم اقتنعوا: أن ما زُين لهم هو من (صميم) اجتهادهم المخلص الأصيل!.. وكأن هذه الدوائر الماكرة قد استعارت أسلوب الشيطان في هذا (التزيين) الإجرامي:«وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون».

ب ـ الطريقة الثانية هي طريقة يمكن وصفها بأنها (التقاء النقيضين) في الكيد للإسلام والمسلمين بوجه عام، والكيد للسعودية ومقدسات الإسلام بوجه خاص..

وتطبيق الأهداف الشريرة عبر (ثنائي النقائض): مكر كُبّار، بلا ريب، فهو يحقق الغاية المعادية في تشويه صورة الإسلام وتقبيح صورة المسلمين، وهو ـ في الوقت نفسه ـ يبعد الشبهة عن (المخططين الحقيقيين)، لكي تبدو الصورة، وكأن مهمة التشويه هي (صناعة إسلامية بحتة): ابتدرها ومارسها مسلمون فحسب!!.

وقد يقال: وما الرأي في ان (الخوارج الأقدمين) نبتوا في بيئة اسلامية، ولم تكن لهم ارتباطات خارجية؟.. ونقول: هذه ملاحظة قوية، ولكن ثمة حجة أقوى منها وهي أن الغلو وتوابعه (مرض) يمكن أن يوجد في أي مجتمع (ولو كان مجتمع النبوة والخلافة الراشدة)، ذلك ان من مصادر الغلو: الفهم المنحرف للدين والتغذية المسمومة للتدين، ولذا فلا داعي لنكران أنه يمكن أن يكون لدى المسلمين ـ لهذا السبب (غلو ذاتي).. أما خوارج اليوم فإنهم (مخترقون) بلا شك، أو أن هذا هو التفسير الراجح لدينا، فهم ـ من ثم ـ قد جمعوا بين الشرين: شر الغلو الذاتي، وشر الاستعداد الهائل لأن يوظف غلوهم هذا في تنفيذ مخططات أجنبية.

ولئن كان (السفور) في المعاني والمفاهيم مطلوبا في كل حين، فإن الغموض أو الإبهام لا ينبغي أن يكون رسالة للكاتب، وإلا أصبح ساحرا مشعوذا يغذي الناس بالغموض والابهام والطلاسم والألغاز.. لئن كان سفور المعنى مطلوبا في كل حين، فهو في مثل هذه الموضوعات مطلب أشد إلحاحا.

ومفتح السفور المبتغى سؤال: ما المراد بـ (ثنائي النقائض)؟.. المراد هو (التقاء النقيضين) في خدمة أهداف معينة.

وإنما جعلت الأمثال لتوضيح المعاني وتحديدها.. والأمثال التالية تتحرى هذا التوضيح والاجتلاء والتعيين:

1 ـ ان الجهات الأجنبية المعادية لها استراتيجية معروفة في تشويه الإسلام ابتغاء الصد عنه (ولا سيما انها تدرك ان الاسلام يكسب مئات الناس كل يوم في عالمنا هذا).. وأدعياء خدمة الاسلام ونصرته إنما يشوهون الاسلام تشويها منكرا حين يصورونه ـ بأفعالهم القبيحة ـ في صورة العنف والبطش الدامي والترعيب والترهيب والتخريب، فالطرفان يبدوان متناقضين ولكنهما يلتقيان في (تشويه الإسلام)، والصد عنه.

2 ـ ان الجهات المعادية رسمت خططا عاتية لإلصاق تهمة (الإرهاب) بـ (كل) عمل خيري حتى وان كان بريئا من الارهاب.. وهدف الالصاق هو: تجفيف (منابع العمل الخيري الانساني) في العالم الاسلامي، وحرمان مستحقيه منه لكي يظل هؤلاء المستحقون (فريسة) لأعمال أخرى خيرية ذات أغراض معروفة.. ويأتي أدعياء خدمة الاسلام ونصرته ليقوموا بالفعل ذاته، أي تشويه العمل الخيري من خلال ربطه بتمويل عنفهم وإرهابهم (أقرب مثال: المؤامرة الشريرة على مقدسات الإسلام ومنشآت النفط والاقتصاد في السعودية) فهي مؤامرة سعى زبانيتها لتمويلها ـ بالالتواء والخداع والتدليس ـ من وجوه العمل الخيري.. والطرفان يبدوان متناقضين، ولكنهما يلتقيان في (تشويه العمل الخيري الإسلامي).

3 ـ ان جهات أجنبية عديدة لا تخفي نقمتها على (النفط السعودي): إما بدافع (الحسد) المحض، وإما بدعاوى كاذبة بأن السعودية تتسبب في ارتفاع أسعار النفط: بحسبانها أكبر مصدّر نفطي في العالم.. ولقد قال أحد غلاتهم ذات مرة:«يجب الاستيلاء على النفط السعودي بالقوة»!!.. ويأتي الغلاة أدعياء الإسلام ونصرته فيحاولون نقل هذه النقمة الى (دائرة التطبيق) بواسطة التخطيط للعدوان على منشآت نفطية. فمن الواضح أن فصلا طويلا من مخططهم الشرير يتعلق بضرب منشآت نفطية سعودية.. والطرفان يبدوان متناقضين، ولكنهما يلتقيان في (النقمة) على النفط السعودي.

4 ـ طرف خارجي كاره ـ وجاهل ـ يعتقد أن السعودية تخلفت أميالا، بل قرونا عن اللحاق بـ (النموذج الغربي): في السياسة، إذ لم تفصل السعودية بين الدين والدولة مثل الغرب.. وفي الاجتماع، إذ لم يزل المجتمع السعودي محافظا على قيم الأسرة وعموم العلائق الاجتماعية المرتبطة بالاسلام، ولم يتورط في الاباحية الاجتماعية العامة مثل الغرب.. وبناء على هذه النظرية يقول هذا الطرف الأجنبي الكاره ـ أو الجاهل ـ: ان (كمية) الإسلام في السعودية (أكثر من اللازم)!!.. ويأتي الطرف الآخر: أدعياء خدمة الاسلام ونصرته ليزعموا: ان السعودية تخلت عن إسلامها، وأن (شوية) الإسلام الموجود لا تكفي للابقاء على شرعية الدولة!.. الطرفان يبدوان متناقضين، ولكنهما يلتقيان في التشكيك في (ثوابت المملكة وأسسها).

5 ـ بالنسبة لـ (البيعة).. (ونحن الآن في ذكراها).. يشكك الطرف الخارجي المعادي في البيعة من حيث أن شرعية الحكم ـ بزعمه ـ لا تكون إلا عبر الانتخاب وحده (!!!!!).. ونحن نقول ـ بيقين ـ: ان البيعة أقوى الزاما من الانتخاب (وقد نعود الى هذا الموضوع في قابل الأيام).. يشكك الطرف الأجنبي الشانئ في مشروعية البيعة، فيأتي الغلاة أدعياء نصرة الإسلام ليقولوا: ان مضمون البيعة (انتفى).. فالطرفان يبدوان متناقضين، ولكنهما يلتقيان في القاء الشبهات حول (مشروعية البيعة).

6 ـ الطرف الخارجي الشانئ يتهم علماء المملكة بأنهم العقبة الكبرى في طريق التقدم.. فيأتي الطرف المغالي الإرهابي فيتهم علماء البلاد بأنهم (علماء سلطة) يجب تجاوزهم.. فالطرفان يبدوان متناقضين، ولكنهما يلتقيان في هدف: تحطيم العلماء أو إسقاط هيبتهم.

ومهما يكن من أمر، فإن هذه المؤامرات الى خيبة محققة.. فمن الناحية الاعتقادية هناك قانون اجتماعي لا يتخلف ـ قط ـ وهو قول الله سبحانه:«إن الله لا يصلح عمل (المفسدين)»، فهذه سنة لا تبديل لها، ومن الناحية العملية واجهت المملكة ـ في تاريخها الطويل ـ فتنا ومؤامرات عاتية، فكرية وسياسية وإعلامية وعسكرية، بيد أنها خرجت منها كلها: قوية البنية، ثابتة على نهجها، لم يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي وعد الله.