حوار المذاهب داخل الدين الإسلامي

TT

عندما نتحلى بشجاعة التفكير الصريح في مقاربة مشاكلنا الكثيرة والمتعددة والتي تشمل المجالات كافة بشكل معقد وإشكالي بامتياز، نرى أن المجتمعات العربية مطلوب منها العمل على كل الأصعدة من دون إعلان أي كلل أو ملل. بل انه حتى اعتماد أسلوب وضع أولويات قصوى وأخرى على المدى المتوسط والبعيد، لن يكون مجديا وسيجعل من معالجاتنا مبتورة وناقصة وبالتالي عديمة الفائدة.

إن قدر المجتمعات العربية، التي تراكمت أزماتها وتكاثرت وتناسلت، البدء في المعالجة والتعاطي مع كافة الجروح النازفة بنفس القدر من الأهمية والجدية. ومن هذه الأزمات المعقدة، مسألة الحوار مع الأديان التي شاهدنا اهتماما لافتا من طرف عدة أنظمة عربية نذكر منها المملكة العربية السعودية وتونس والمملكة المغربية ومصر وقطر وسوريا... فمنذ تاريخ أحداث 11 سبتمبر 2001، تم تنظيم عشرات الندوات الدولية التي تطرقت إلى خفايا هذا الملف. طبعا ثقافة الاعتدال والتسامح، تدعم بلا شروط إرساء قيم الحوار والتركيز على المشترك الأخلاقي والقيمي بين الأديان، خاصة أن المتمرسين بالصيد في مياه الخلافات الدينية قد عزفوا كثيرا على المعطى الديني السريع التأثير والانفعال واعتمدوه بوابتهم في غسل الأدمغة. ولكن في نفس الوقت نعتقد أن المجتمعات العربية والإسلامية، تحتاج بشكل مواز إلى حوار ليس بين الأديان فقط، بل أيضا داخل الدين الواحد الإسلامي. ويظهر أنه لا بد من ذلك ولا شيء يمكن أن يبرر غض الطرف عن هذه المسألة وتجاهلها والحال أنها تفعل فعلها عميقا في أكثر من قطر عربي، حيث تتجلى بوضوح ساطع بؤر توتر بين الشيعة والسُنة. ومما يزيد من ضرورة المعالجة العاجلة لملف الشيعة والسُنة في منطقة الشرق الأوسط ككل أنه خلاف في تماس تاريخي وآني مع الخلافات السياسية الراهنة. بالإضافة إلى محاولة بعض الأطراف في الداخل والخارج استثماره لتحقيق الفرقة وإشعال فتيل التفرقة والعداء.

ولقد رأينا ما حصل في العراق منذ غزوه وإلى الآن وكيف تم إحياء حالة من التمايز الديني السياسي بين الشيعة والسُنة بهدف تقسيم هوية العراق وإعادة تشكيلها على شاكلة أعضاء متناثرة. وما حدث في لبنان مؤخرا قبل الوصول إلى اتفاق الدوحة، قد شكل بالفعل ناقوس خطر، حيث بد ا البعد المذهبي ثغرة للتسلل، ولو أحصينا مدى كثافة تواتر التراشق السُني الشيعي في وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية، لتحسسنا بشكل مادي وملموس وكارثي حجم الخلافات والتوتر النائم والذي يعرف الساسة كيف يستيقظ في اللحظة المناسبة.

إننا في أمس الحاجة إلى إقامة حوار بين المذاهب الإسلامية وتخليصها مما علق بها من مزايدات ومغالطات تجعلنا دائما في حالة من الدوران حول حلقات مفرغة لا أفق لها. كما أن هذا الحوار المنشود هو في صالح الجميع ووحده القادر على تأمين حالة تكتل ديني بناء، تظهر نتائجه الايجابية عندما نفصل المذهبية عن السياسة، بل انه حتى الحوار مع الأديان الأخرى سيكون أقوى وأكثر فائدة عندما نكون حققنا المرحلة الأساس المتعلقة بحوار المذاهب داخل الدين الإسلامي.

[email protected]