مواجهات جديدة

TT

مع ذهول المتلقي وفداحة الخبر الذي قيل فيه إن السعودية أعلنت عن اعتقال 520 كانوا يخططون لعمليات إرهابية هائلة ضد مصالح نفطية، لو تمت لكانت ذات نتائج وخيمة على الاقتصاد السعودي، وحتما وبالا على العالم.

ولعل حجم الاموال والأفراد والسلاح والعتاد الذي تم الوصول اليه في الوقت المناسب يثير أن مسألة الحرب على الإرهاب في السعودية لاتزال كارثية الحجم، وأن المفاجآت غير السارة لاتزال مستمرة. ولكن لا يمكن اغفال تصريح وزير الداخلية السعودي الأمير نايف منذ أيام قليلة والذي قال فيه: إنه لايزال غير راض عن النجاحات في المواجهة الفكرية مع الفكر المنحرف والضال بنفس القدر من النجاحات التي تحققت في المكافحة الأمنية عموما. فالتربة لاتزال خصبة ومن الممكن زراعتها وحصادها بالخراب والفتن والدمار، ويخفى تخيل حجم المأساة التي كانت ستحدث لو نجحت هذه المجموعة في عملياتها. ويبدو واضحا أن الجاهزية تغيرت وأن اساليب تجميع الأموال تطورت بشكل لافت ومقلق. «القاعدة» تحولت لمنظمة مسطحة، بلا رأس ولكنها مجموعة خلايا ما بين النائمة والنشطة لا رابط مباشرا بينها سوى أهداف محددة وصغيرة بمجموعها تتحول الى هدف موحد كبير. ولكن كل الحراك والتخطيط لم يكن ليكتب لها التطور والاستمرار لولا وجود الفكر المرحب والمشجع والمبرر والداعم والمتعاطف والمؤيد والمساند لذلك، والغرض هنا من تفنيد أشكال الدعم هو لأن هذه الحركات الارهابية تلقى الدعم بأشكال مختلفة ومتنوعة، منه ما هو مباشر جدا ومنه ما هو غير ذلك ولكن النتيجة النهائية هي واعدة بالمزيد من الانتشار. المواجهات الفكرية لم تدخل حتى هذه اللحظة الى النخاع الشوكي للجدال الفقهي ولاتزال تتعامل مع القشور الخارجية والانسجة الظاهرة للمرض. والدخول الى هذا النخاع سيكون تجربة أليمة ومليئة بالتعقيد وفيها من الاستكشافات «الصادمة» و«المذهلة» لأنها ستزيل القناع عن مسائل ومواقف كانت من المسلمات والثوابت والركائز، وسيبدو واضحا بعد ذلك أن هناك أعضاء في المنظومة الفكرية التقليدية لا بد من استئصالها والخلاص منها لأنها تحولت الى أورام سرطانية خبيثة مدمرة بعد أن كان الاعتقاد لفترات طويلة بأنها حميدة ونافعة. المواجهة الفكرية المطلوبة ليست تجربة فريدة ولا جديدة فلقد مرت بها ثقافات مختلفة. ألمانيا بعد تجربتها النازية قامت بتطهير ثقافي كامل لكل المستويات والمؤلفات (بما فيها سيمفونيات فاجنر) وأخرجت منها كل العلامات التي تمجد الفكر الفاشي، وكذلك فعلت جنوب أفريقيا بعد زوال نظام التمييز العنصري «الأبارتايد» عنها، وكذلك فعلت ايطاليا وأسبانيا واليابان واثيوبيا، جميع هذه الانظمة والدول تعرضت لمحن عاصفة وشديدة، محن طعنت في صميم معتقداتها الفكرية التي رسخت في الاذهان كمسلمات مقدسة، ومنحت الهالة اللائقة بها، ولكن سرعان ما انقشعت الظلمة وتبين بالدليل القاطع أنها كانت مصادر دمار وآلام وخراب، وبالتالي بات حتما مطلب الخلاص منها ولو كان ذلك على حساب «الأنا» وأحيانا الكرامة. الصراع الفكري مرحلة أخطر وأهم من المواجهات الأمنية، وإذا كان السلاح في المواجهة الأمنية هو الرصاص والمعلومة، فإن المواجهة الفكرية تتطلب الشجاعة والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة والمؤلمة.. مهما كانت التكلفة.

520 مشتبها ألقي القبض عليهم قبيل تنفيذهم مخططا إرهابيا مهولا، (وهذه ليست المرة الأولى)، بات من الضروري أن يكون جرس إنذار هائل لتنقية الدماغ الوطني السعودي من السموم الموجودة فيه قبل أن لا تكون هناك فرصة أخرى!

[email protected]