مصاغ الزوجة لقاء بندقية

TT

عند سماع اسم درب التبانة يتبادر إلى الذهن في البداية حزمة النجوم التي تتلألأ في ليالي الصيف بهذا الاسم، كما سماها العرب قديما. إلا أنه حي كبير مهمل في طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، اشتعلت فيه معارك بين سكانه السنة وجيرانهم من العلويين. والتحقيق الميداني، الذي كتبته الزميلة سوسن الأبطح قبل يومين في هذه الصحيفة، كاف لقياس الضغط الهائل الذي يهدد بانفجار الشمال، وقد يجر معه بقية لبنان.

إنها بالفعل نتيجة مباشرة لما فعله حزب الله عندما قام بإذلال السنة يوم احتل بيروت الغربية، وأهان زعاماتهم، فأطلق شرارة الكراهية. حزب الله، الذي أدرك حجم السقطة، لم يحاول أن يصحح غلطته الفادحة، بل صب الزيت على النار، في جدل تشكيل الحكومة، وإطلاق التصريحات العدائية التي تؤرخ مرحلة جديدة للبنان، اسمها الطائفية.

وما يدل على الغليان أن الزعامات السنية المختلفة، بمن فيها التي تختلف مع حزب الله، وتلك التي تشاركه المعارضة، فشلت في الإمساك بادارة الأزمة في درب التبانة. فما فعله حزب الله ورفاقه انهم فتحوا القبور القديمة، حيث ان للموتى حكايات ومواقف سياسية في معارك الحرب الماضية.

بعد عقود من المحاولات الفاشلة ثبت ألا أحد يستطيع ان يحكم لبنان وحده مهما كانت قوته العسكرية ضاربة، بما في ذلك حزب الله الذي كون جيشا صمم لمواجهة قوة عاتية مثل اسرائيل، ولا ساكني درب التبانة الذين يطالبون بالسلاح للدفاع عن اهلهم، ودورهم وشرفهم. ولهذا يستغرب المرء كيف يذهب قيادي في حزب الله هو نواف الموسوي الى حد المصارحة بالحرب الاهلية، والمواجهة الطائفية السنية الشيعية، والمفاخرة بأن نتيجتها حتما الانتصار.

إن من السهولة تمويل الثائرين في درب التبانة وغيرهم، ومن المؤكد انها ستكون حربا طويلة ومتعددة، فهل هذا ما يريده الذين يحاولون سلخ السنة في مفاوضات تشكيل الحكومة، وتحويل اتفاق الدوحة الى جثة عفنة؟

لا يمكن لأي عاقل شهد الحرب الاهلية الماضية ان يريدها تتكرر، مهما كانت الخلافات. ولو اندلعت لن ينجو فريق من حرائقها مهما كانت اسلحته وعلو جدرانه. كما أن من يرى الفتنة الطائفية في العراق لا يعقل ان يشجع عدواها لتنتشر أفقيا، خاصة في لبنان الذي لم يتعاف بعد. وعندما يتحدى موسوي السنة ان يتسلحوا، فانه عمليا يساهم في دفعهم نحو البنادق، بدل ان يسعى الى منعهم من خلال طمأنة القلقين والغاضبين. فالسلاح لم يكن، ولن يكون، عقبة بل المقاتلون. وما سجلته الزميلة في تقريرها يكشف ان هناك متطوعين يبحثون عن متبرعين مهما كلف الأمر، كما قال احدهم، «بعت مصاغ زوجتي واشتريت به بندقية»، وآخر يشتكي من أنه يحمل مسدسا وخصومه عبر شارع سورية يملكون مدافع. وحتى لو بقيت موازين القوى كما هي، البنادق في وجه المدافع، فان الضرر سيكون كبيرا وداميا.

[email protected]