أشياء تدعو إلى التفاؤل في المفاوضات العراقية ـ الأمريكية

TT

أثير الكثير من الجدل حول المفاوضات العراقية ـ الأمريكية بشأن الاتفاقية المزمعة بين الجانبين، وكان يمكن اعتبار هذه الملاحظات نوعا من الحساسية الإيجابية إزاء مصائر الشعوب والأوطان لولا بعض الظواهر التي خرجت بهذه الملاحظات عن إطار الحرص ولاسيما الإصرار على استباق الأحداث من اجل إصدار الأحكام وإطلاق اسم الاتفاقية على شيء لم يتم الاتفاق عليه حتى الآن، بل مازال طي الأفكار والمسودات التي تطرح للنقاش. لقد كان واضحا من بعض التعليقات الرغبة بالإدانة والحماسة الزائدة لوضع الحكومة في خانة المتهم لاسباب سياسية لا تغيب عن عين المراقب اللبيب.

ومن المفيد القول، إن الملاحظات الإيجابية وحرص الجميع، ولاسيما التيارات السياسية والأحزاب العراقية على إبداء رأيها فيما يدور، ليس فقط لا تغضب الحكومة التي تدير المفاوضات حول هذا الموضوع، بل قد تصب في صالحها وتؤدي إلى تعزيز موقفها التفاوضي.

قد يغيب عن بال البعض في الداخل أو الخارج أن آلية اتخاذ القرار في العراق الحالي ليس مثلما كانت سابقا.. فقد خاض النظام السابق الحروب ووقع أسوأ الاتفاقيات ومنها اتفاقية «خيمة صفوان»، التي مايزال العراق يئن منها، وغزا البلدان المجاورة وفعل الأفاعيل دون الرجوع إلى رأي أحد ودون السماح بكلمة اعتراض واحدة. أما اليوم فالقرارات، ولاسيما الاستراتيجية منها، تمر بالعديد من القنوات الحكومية والبرلمانية قبل مرحلة التوقيع عليها، فضلا عما تحظى به من اهتمام في الصحافة والمنتديات.

وقد تحين الفرصة قريبا للحديث عن تفاصيل المباحثات وما دار في أروقة المفاوضات ليطلع العراقيون ومن يهتم بالشأن العراقي على أشياء ستكون دون شك مثيرة للإعجاب. وكقريب من رئاسة الحكومة فإنني أستطيع القول بثقة إن العراقيين سيجدون في سجل التفاوض وما رافقه من أحداث ومواقف، لاسيما من راس الهرم في الحكومة، ما يجدون فيه مثارا للفخر والاعتزاز. انما حدث حتى الآن، وقبل بلوغ المراحل النهائية من المفاوضات شيء يستحق الإشادة. لقد اضطرت الولايات المتحدة في النهاية إلى سحب مسودة التفاوض الأولى بعد أن وجدت جدارا من الرفض لها وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء في حديثه الأخير في عمان بأنه عبارة عن الوصول إلى طريق مسدود. وتشير آخر المعلومات الى ان الولايات المتحدة قادمة بروح جديدة تختلف عن السابق. وإذا كان البعض يثير الشكوك هنا أو هناك حول مواقف الحكومة عن حسن نية أو عن سوء فانه سيجد جدار الحكومة هو الأكثر تماسكا من الجميع مع التأكيد على حرص العراقيين جميعا على سلامة بلدهم وسيادته.

لقد حرصت الحكومة على تشكيل وفد تفاوضي موسع، صحيح انه وفد حكومي في اغلب اعضائه، ويضم مسؤولين حكوميين في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والخارجية، إلا أنه راعى على ما يبدو ان يكون ممثلا من خلال تركيبته لجميع مكونات الشعب العراقي.

وبغض النظر عن تفاصيل المفاوضات، فان من حق العراقيين أن يفخروا بهذه الأجواء المفتوحة للنقاش وإبداء الرأي والاعتراض والتظاهر، بل وحتى الاتهام أحيانا دون خوف من رقيب أو حسيب. لم يبق أي تشكيل سياسي أو ديني أو غيره دون أن يشارك في النقاش الدائر حول هذا الموضوع رفضا أو قبولا، وهذا بحد ذاته مؤشر يدعو إلى التفاؤل، ليس فقط لانه يكشف عن أجواء من الحرية غابت عن العراق لعشرات السنين، بل لأنه يشير من جانب آخر الى مستوى عال من الشعور بالمسؤولية وتصميم العراقيين على ممارسة حقهم في المشاركة بالقرارات المصيرية.

وإذ يتقبل العراقيون مشاركة بعض العرب والجيران من «أهل النوايا الحسنة» بالنقاش الجاري حول هذا الموضوع، فانهم يرفضون بشدة أن يمارس البعض هذا الدور وكأنه يعلم العراقيين دروسا في الوطنية أو يتطلع إلى ممارسة دور الوصاية. ومن الملفت ان الوفود التي شكلتها الحكومة العراقية لدراسة التجارب المماثلة التي مرت بها بلدان اخرى في العالم، عادت بنتائج طيبة من اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا مدت المفاوضين بالخبرة وحسنت من موقفهم التفاوضي، بعكس الوفود التي ذهبت الى الدول العربية للاطلاع على ما لديها من معاهدات واتفاقيات بعضها استراتيجية مع اطراف دولية واقليمية، فانها عادت بخفي حنين، حيث اكدت هذه الوفود رفض الجهات العربية المعينة التعاون معها او حتى مجرد اطلاعها على تفاصيل هذه الاتفاقيات وظروف توقيعها.

ليس بمقدور العراقيين الوثوق بانتقادات أولئك الذين سكتوا عن إبرام اتفاقيات استراتيجية بين بعض دول المنطقة وأطراف دولية أو اقليمية تم التوقيع عليها «وليس مجرد النقاش حولها» خلف أبواب مغلقة وبقيت بعيدة عن المناقشة والأضواء حتى يومنا هذا.

* مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الإعلام