الرغيف والقبض

TT

وزارة الاقتصاد في لبنان ليست شيئا مهما لأسباب شتى: أولها، أن الاقتصاد اللبناني معلق على مشنقة السياسة. وثانيا، لأن صلاحيات الوزارة تشبه فعالية الدواء الذي مرّت عليه ثلاث سنوات. وثالثا، لأن القرارات والسياسات الكبرى قائمة ما بين وزارة المال وحاكمية البنك المركزي. وبرغم ذلك هناك أشياء يقوم بها وزير الاقتصاد عند الضرورة.

الوزير الحالي هو الدكتور سامي حداد. والأرجح أنه خبير اقتصادي من درجة معينة وإلا لما سماه الرئيس السنيورة وزكاه ولم ينتق سواه. لكن عندما يحمل الخبير الاقتصادي حقيبة وزارية يحتاج، إلزاميا، إلى كفاءات أخرى. منها عدم فقدان الأعصاب والانتباه إلى ما يقول وعدم النظر إلى نفسه على أنه، كوزير، صار يملك مقدرات البلد ويقضي فيها.

قبل أيام ظهر سامي حداد على شاشة إل. بي. سي، وهو في مكتبه. وطرح عليه المندوب سؤالا حول الغلاء واحتمال رفع سعر ربطة الخبز. وقال له سامي حداد: «مين بيعتك؟ (بعث بك)، مين قلك تطرح ها السؤال؟». وبكل ذكاء ومهارة أذاعت إل. بي. سي. في نشرتها الإخبارية نص لقاء بين وزير ومراسل صحافي، يسأل فيه المراسل عن سعر الرغيف، فيجيب الدكتور في الاقتصاد «مين بيعتك؟ قلي من مين قابض؟».

لا يجوز للوزير أن يفقد أعصابه ولا آدابه. وفي أي حال أعلن سامي حداد أن ربطة الخبز لن يرفع سعرها ولن يخفض عدد أرغفتها، كما قال أصحاب الأفران، تحت وطأة أزمة القمح. فمحصول الحبوب في كندا وأميركا لا يقرره أصحاب المخابز في لبنان ولا معالي الدكتور حداد. غير أن معاليه بعدما خاض معركته الوطنية مع مراسل إل. بي. سي. وحقق انتصاره الظافر، قرر خوض معركة السعر مع أصحاب المخابز. يقول هؤلاء إن كل شيء متعلق بصناعة الرغيف تضاعف سعره: المازوت، السكر، الخميرة، النايلون، ولم يعد ممكنا المحافظة على السعر السابق، خصوصا أن عدد الأفران انخفض من 450 إلى 160.

هل نحتج على الوزير الذي يصر على إبقاء الرغيف في متناول الفقراء وذوي الدخل المحدود؟ لا. نحتج على أنه ترك الأمور تصل إلى مستوى الأزمة في بلد لا تنقصه أزمة أخرى في حياة ومعيشة الناس. وبدل أن يستوضح من مراسل إل. بي. سي. عن مصادر القبض، كان الأحرى أن يستعلم عن تعدد الأزمات التي تضرب العالم. ومنها لبنان.