صلوات العطَّار الروحي لإصلاح الفساد السياسي

TT

بدل اعتبارها «قمة روحية» فإن الأصوب اعتبارها «القمة الروحية ـ السياسية» تلك التي استضافها القصر الجمهوري اللبناني بدعوة من صاحب القصر الرئيس ميشال سليمان يوم الثلاثاء 24ـ6ـ2008 فهي لم تنعقد لدواع ايمانية كما انها غير مسبوقة على النحو الذي جرى، فضلاً عن ان اصحاب السيادة والسماحة والنيافة من شيوخ وبطاركة يخوضون غمار الحديث السياسي في كل عظة او بيان او تصريح او مقابلة مع وسائل الإعلام، مع الفارق انهم في ما يقولون ويُدلون ويُصدرون يكثرون من التمنيات على رموز الصراع السياسي ان يخففوا من حدة الخلافات في ما بينهم ويتفقوا ولو على الحد الأدنى من اجل كرامة الوطن وطمأنينة المواطن.

وما انتهت اليه القمة يجعلنا نتساءل: ما الذي كان يمنع لو ان اقطاب الصراع السياسي المغانمي كانوا مشاركين في هذه القمة اي بما معناه يكون كل قطب سياسي لهذه الطائفة او تلك مشاركاً الى جانب المرجعية الروحية لطائفته ولا تعود القمة من اجل التقاط صورة تذكارية واصدار بيان تغلُب عليه التمنيات، وإنما قمة حوارية بين اهل الصراع السياسي تكون المرجعيات الروحية الشاهد الامين عليها.

والجواب عن ذلك هو أن رئيس الجمهورية اراد قبل ان يبدأ الحوار المأمول في رحاب القصر الجمهوري تعزيز موقفه مستقوياً بالمرجعيات الروحية وانه يريد من ذلك القول ما معناه إنه اذا كانت المرجعيات الروحية متفقة على مضمون بيان موحد فما الذي يمنع رموز حلبة الصراع السياسي من ان يتوصلوا الى اتفاق مماثل؟

لكن قبل ان يبدأ الحوار الذي نشير اليه يبقى الاجتماع المشترك بين رموز المرجعيتين الروحية والسياسية برعاية رئيس الجمهورية وترؤسه وإشراك مَن يُمثل دولة قطر وكذلك الأمين العام للجامعة العربية، ضرورياً وذلك من اجل تثبيت التشكيلة الحكومية في حال تم اجتراح معجزة التشكيل وبذلك لا يصيب «الحكومة ـ المعجزة» ما اصاب «التسوية ـ المعجزة» في الدوحة حيث أنه لمجرد عودة «المتفقين» الى بيروت شمروا عن الساعد واطلقوا اللسان يقول ما يجوز وما لا يجوز، وبحيث أن ما لا يقوله بعض الكبار يقوِّلونه لصغارهم، ودخل البلد نتيجة ذلك في الدوامة التي نعاني منها على مدار الساعة.

ونكرر القول إن «القمة الروحية» او «الروحية ـ السياسية» جاءت تهدئ بعض الخواطر وربما تجعل الرئيس ميشال سليمان يتصرف كرئيس مقدام خصوصاً حالة الصراع على الحكومة ليست مجرد عمل سياسي وانها في بعض الممارسات تشبه «حالة فتح الاسلام»، وهي حالة ضد الوطن جملة وتفصيلاً. واذا كان ميشال سليمان (العميد) قاد بكل مقدامية عسكرية معركة مواجهة «فتح الاسلام» فإنه مطالب بكل مقدامية سياسية مواجهة الاعيب اللاعبين المتلاعبين. وبين يديه اسلحة دستورية وتأييد شعبي صامت ووقفة مستجدة من جانب المرجعيات الروحية هي بقوة الاسلحة التي استُعملت في مواجهة «مناضلي» حركة «فتح الاسلام». وحتى اذا كان بيان القمة بدا كما لو أنه في بعض مفرداته مثل خطبة صلاة في مسجد او عظة في كنيسة حيث أنه يستأنس بما ورد في «خطاب القَسَم» ويدعو من دون ان يسمي الى التعاون مع مجلس النواب والحكومة العتيدة الى تثبيت اركان الوحدة والأمن والاستقرار ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، إلاَّ انه لحظة روحية ـ سياسية لافتة خصوصاً اذا هي تعززت بالمزيد من التوضيح والصراحة في ما هو آت من خُطب في المساجد وعظات كنسيّة قبل إجتراح معجزة تشكيل الحكومة وبعد حدوث المعجزة التي يتمنى كل لبناني حدوثها وينتظر بفارغ الصبر هذا الأمر المفروغ منه في الدول التي يحرص فيها أُولو الأمر على مصالح البلاد والعباد. وقد نجد من يقول إن الرئيس ميشال سليمان انسان طيب القلب وان رموز الصراع السياسي في لبنان غلاظ القلوب ولذا فلا امل يُرتجى لتحقيق الانسجام المطلوب، وان استنجاده بالمرجعيات الدينية هو من باب تدعيم ارادة استنباط الحلول وهذا معناه ان دور المرجعيات الدينية بالمفردات الروحانية هو تسهيل ما يعيقه اهل السياسة او مثل محاولة العطار الذي يحاول اصلاح ما افسد الدهر واعتبره الشاعر العربي امراً مستحيلاً او على الأقل من غير السهل تحقيقه وهذا واضح في قوله وبصيغة التساؤل «... وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟».

ومثل هذا الإصلاح ربما هو ممكن لو أن رموز الصراع السياسي يهابون مرجعياتهم الدينية لكن الذي يلاحظه المرء ان شأن المرجعيات السياسية في لبنان أهم بكثير من شأن المرجعيات الدينية وان نسبة احترام بعض السياسيين للمرجعيات لا يرقى الى مرتبة عالية، وإذن فإن الخطوة الدينية لن تصل إلى ما هو أبعد من التمنيات وهذا ما نراه في محاولتهم.. إلاَّ إذا ارتأى هؤلاء اعلان ما يجوز تسميته «الاعتصام الروحي» في واحد في مقر المرجعيات او بالتداول مرة في الصرح البطريركي ومرة في دار الفتوى المرجعية السنية ومرة في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ومرة في مقر الطائفة الدرزية ومرة في كل من مقار بقية المرجعيات المسيحية ومنها الارمنية. وقد تبدو هذه الفكرة مستغرَبة ولكن عندما تكون هنالك حالة مرض صعبة وتكون العلة مسببة للألم الذي لا يطاق، يصبح التفكير باعتماد كل الوسائل حتى غير المألوف منها أمراً مطلوباً وضرورياً. فضلاً عن ان في التاريخ الحديث للتأزم السياسي والفوضى الامنية في لبنان سابقة اعتصام يعود تاريخها الى 33 سنة اقدم عليها الإمام موسى الصدر الذي اعتصم في مسجد شيعي يوم الجمعة 27 يونيو (حزيران) 1975 ولم يفك اعتصامه إلاَّ بعدما تشكّلت حكومة ما لبث رئيسها رشيد كرامي ان اغتيل في وقت لاحق اما الإمام الصدر فإنه إما مغيَّب في نظر طائفته الشيعية وسيعود كما «المهدي المنتَظر» وإما جرت تصفيته خلال زيارة قام بها الى ليبيا او خارجها لأن السلطات الليبية ما زالت على تأكيد روايتها بأنه غادر طرابلس الى روما.

والله أعلم.