عاد إلى بيته في الرابعة ونام

TT

سألت والدي أيام الشباب «من هو سامي الخطيب» وأجابني ضاحكاً «هو الرجل الذي وقف تحت بيت إبراهيم قليلات وصرخ: انزل الآن وفوراً. إياك أن تتأخر لحظة». كان إبراهيم قليلات يومها زعيم أحياء بيروت، يرتجف لذكر اسمه للقبضايات والاوادم. وكان يمثل الشارع الناصري أفقياً ويحركه ويتحرك من خلفه حملة المسدسات. أما سامي الخطيب فكان ضابط مخابرات برتبة ملازم.

بعد توقيف قليلات بدأ اسم سامي الخطيب هو الذي يخيف. وصار الضابط الشاب يتنقل في بيروت مثل ضباط الصاعقة زمن هتلر. وهذه المدينة اللعوب سرعان ما سلمت نفسها إلى نفوذ ضباط المكتب الثاني العائدين من المدارس الحربية في فرنسا وأميركا. وكان رئيس المكتب الثاني غابي لحود ومعاونه سامي الخطيب نحيلين مستقيمي الصدر مثل عصا الماريشالية. وكانا موضع جدل. بعض الناس أحب سامي الخطيب والبعض سماه «سلطان بيروت». والذين أحبوه والذين لم يحبوه خافوه وحذروا الاقتراب.

سوف يصبح سامي الخطيب فيما بعد قائداً للجيش وقائداً لقوات الردع ووزيراً للداخلية ثم نائباً عن البقاع. وقبل أسابيع اتصل بي في باريس وقال إنه سيوقع كتابه الجديد «في عين الحدث: 45 عاماً لأجل لبنان». وأجبت على الفور: سأكون أول الحاضرين. وقال «مهلا. مهلا، أنا لا أريدك أن تحضر. أنا أريد مشاركتك أنت والوزير سامي شرف ورئيس مجلس الشورى غالب غانم».

قلت، يا أبا بديع، يشرفني أن أتحدث عنك، ويزيدني شرفاً أن أكون إلى جانب مدير مكتب عبد الناصر وصديقي ورفيقي غالب غانم، لكن كيف أشرح للناس أنني لم ألتق مدير المخابرات اللبنانية إلا بعد تقاعده وأنني تعرفت إليه على الشاطئ الفرنسي فلماذا يريدني إذن أن أتحدث عن المرحلة التي كان فيها «سلطان بيروت» يوم كنت أخاف من ذكر اسمك مثل سواي.

ورّد الصديق العزيز قائلا: «هذه مشكلتك. المطلوب منك أن تحكي عن الكتاب لا عن المخابرات». ثم عاد أبو بديع فوقع كتابه في غيابي. وأول ما وصلت إلى بيروت ذهبت إلى «بيسان» لشراء نسختي. وأول ما قرأت في الكتاب فصلا بعنوان: «توقيف إبراهيم قليلات» لأتذكر الوصف الذي أعطاه والدي لسامي الخطيب: «تمام الساعة 2.50 تحركنا من قيادة الجيش لمنزل قليلات. وبمكبَّر الصوت ناديت إبراهيم قليلات أن ينزل. واستجاب الرجل دون مقاومة. ووضعته معي في الجيب واتجهت به إلى ثكنة الأمير بشير ووضعته في الزنزانة الرقم 5 وعدت إلى بيتي في الرابعة ونمت».